يتوجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأربعاء المقبل إلى تركيا في أول زيارة رسمية للبلاد تطوي صفحة أزمة حادة استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة إثر اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في اسطنبول.
وقال مسؤول تركي رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس إن الأمير محمد سيزور العاصمة التركية انقرة إلا أن البرنامج المفصل للزيارة سيعلن "خلال عطلة نهاية الأسبوع".
وأوضح المسؤول التركي أنه سيتم توقيع اتفاقات عدة خلال الزيارة.
وستكون هذه الزيارة المرتقبة منذ أشهر عدة الأولى للأمير محمد إلى اسطنبول منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلده في اسطنبول في 2018 وهي قضية سممت العلاقات بين انقرة والرياض.
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زار المملكة العربية السعودية في نهاية نيسان/أبريل والتقى الأمير محمد قبل أن يؤدي مناسك العمرة في المسجد الحرام في مكة المكرمة.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية (واس) في ختام لقائهما أنه جرى خلاله "استعراض العلاقات السعودية التركية، وفرص تطويرها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها".
وكانت هذه الزيارة الأولى لإردوغان إلى السعودية منذ الأزمة، بعد وقت قصير على إحالة محكمة تركية تحاكم 26 سعوديا يشتبه في ضلوعهم بمقتل خاشقجي أوراق القضية على السعودية.
ويعني ذلك إسدال الستار على القضية في تركيا، ما أثار استياء منظّمات حقوقية.
•طي صفحة الأزمة
تسبب اغتيال خاشقجي في جمود في العلاقات بين أنقرة والرياض استمر أكثر من ثلاث سنوات. وكانت العلاقات متوترة أساسا منذ العام 2017 والحصار الذي فرضته السعودية على قطر حليفة تركيا.
وقُتل خاشقجي، الصحافي الذي كان يكتب مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" ينتقد فيها ولي العهد في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في اسطنبول، في عملية أحدثت صدمة في العالم وشرخا في العلاقات.
واتّهم إردوغان حينها "أعلى المستويات" في الحكومة السعودية بإعطاء الأمر لتنفيذ عملية الاغتيال على أيدي عناصر سعوديين، لكنه استبعد العاهل السعودي من التهمة.
وحققت الرياض بعد ذلك تقاربا مع خصوم كبار لأنقرة مثل اليونان وقبرص خصوصا في مجال الطاقة.
وردت السعودية أيضا بممارسة ضغوط على الاقتصاد التركي من خلال مقاطعة البضائع التركية في شكل غير رسمي.
وفي ختام محاكمة لم تتسم بالشفافية في السعودية حكم في قضية مقتل خاشقجي على خمسة سعوديين بالاعدام وعلى ثلاثة آخرين بعقوبات بالسجن. وقد خففت أحكام الاعدام لاحقا إلى السجن.
ويستعد ولي العهد السعودي لطي صفحة التهميش الذي فرضه الغربيون عليه. فالرئيس الأميركي جو بايدن سيزور خلال جولة له في الشرق الأوسط هي الأولى منذ توليه الرئاسة، المملكة حيث يلتقي الأمير محمد.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زار السعودية مطلع كانون الأول/ديسمبر في ختام جولة إقليمية.
• استثمارات خارجية
تواجه تركيا أزمة مالية حادة تدفعها إلى طي صفحة الخلافات مع خصومها ومنافسيها، مثل مصر وإسرائيل، وخصوصا دول الخليج الغنية بالنفط وعلى رأسها السعودية والإمارات، إذ يشهد الاقتصاد التركي انهيار عملته وارتفاع معدل التضخم الذي تجاوز 60 بالمئة خلال السنة الماضية.
وتأمل تركيا في جذب استثمارات خليجية جديدة إليها للمساعدة على تحريك عجلة الاقتصاد.
ونشطت أيضا على مستوى ملفات دولية كثيرة محاولة تسهيل وساطة بين أوكرانيا وروسيا خصوصا والمساهمة بطلب من الأمم المتحدة في نقل الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
إلا ان انقرة أغضبت أيضا حلفاءها التقليديين بمعارضتها منذ شهر انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي وبتهديدها بهجوم عسكري جديد على المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.
وترى أصلي ايدينتاسباس الباحثة والخبيرة بالشؤون التركية في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية ردا على أسئلة لوكالة فرانس برس "الهم الرئيسي لتركيا هو الحصول على تمويلات سعودية لدعم خزائن البنك المركزي التي تفرغ بشكل خطر".
ويواجه الرئيس التركي الطامح لولاية جديدة في حزيران/يونيو 2023 تراجعا كبيرا في قيمة الليرة التركية وتضخما بلغ 73,5 % بمعدل سنوي في أيار/مايو ما يلقي بظلال الشك على احتمال إعادة انتخابه بعدما أمضى عقدين على رأس الدولة التركية.