خلافا لمدن والبلدات اليمنية الأخرى، يتجلى اهتمام أمريكي متزايد بمحافظة حضرموت الواقعة جنوب شرقي اليمن، من خلال زيارات السفير الأمريكي أو التحرك الأمني والعسكري واللقاءات المكثفة.
ولم يكن وراء زيارتي السفير الأمريكي الجديد لليمن علامات استفهام كبيرة، لكن كان اللافت أنهما جاءتا في وقتٍ قصير، كما سبقتهما زيارات كثيرة لسفراء أمريكيين ومسؤولين، وانتشار عسكري.
ولا يعلم ما إذا كانت هذه الزيارات تعكس الاهتمام الأمريكي بهذه المحافظة، التي تعتبر من أكبر المحافظات اليمنية وتتوفر على موارد نفطية كبيرة وسواحل بحرية وحدود برية أيضاً شاسعة مع السعودية، وهو ما يطرح تساؤلات حول سر هذه الزيارات وما وراءها.
زيارات سفير واشنطن
8 نوفمبر الجاري كان موعداً لزيارة سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى اليمن، ستيفن هاريس فاجن، لمحافظة حضرموت شرقي البلاد، وهي ثاني زيارة له منذ تسلمه المنصب منتصف العام الحالي.
وقال المكتب الإعلامي لمحافظ حضرموت، إن الاجتماع المشترك بين الوفد الأمريكي ومحافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، ناقش "تعزيز جوانب الدعم في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب ودعم القطاعات الحيوية المرتبطة بالمواطنين والتنمية".
وحسب المكتب الإعلامي لمحافظ حضرموت، أعرب سفير واشنطن "عن سعادته لزيارة حضرموت، والتقاء قيادة المحافظة"، مشيراً إلى أن "الزيارة تأتي بهدف إظهار دعم الولايات المتحدة لليمن، ولحضرموت على وجه الخصوص".
ولفت إلى "إدانة الولايات المتحدة هجوم المليشيات الحوثية الانقلابية عبر الطائرات المسيّرة، على ميناء الضبة"، مؤكداً تأثير الهجوم الحوثي على الاقتصاد اليمني.
وكان فاجن قد زار حضرموت أواخر يونيو الماضي، وذلك بعد نحو شهر من تسلمه أوراق اعتماده سفيراً لواشنطن لدى اليمن، وناقش في زيارته آنذاك "مواجهة التحديات التي تواجه أكبر محافظة في اليمن (حضرموت)"، حسبما نُشر على صفحة السفارة في "تويتر" حينها.
زيارات أمنية وعسكرية
لم تكن زيارة السفير الأمريكي هي اللافتة في هذا الأمر، فقد سبقتها زيارات مختلفة، كان آخرها مطلع نوفمبر الجاري، قبل أيام من زيارة السفير؛ عندما التقى محافظ حضرموت، مبخوت بن ماضي، وفد فريق الشؤون المدنية بالولايات المتحدة الأمريكية برئاسة الفريق الرائد كيفن.
وحسب الصفحة الرسمية للسلطة المحلية بمحافظة حضرموت في فيسبوك، تطرق اللقاء إلى "استهداف جماعة الحوثي للمنشآت النفطية في ميناء الضبة وتداعيات تأثير الهجمات الاقتصادية وحركة الملاحة في البحر العربي، ووجد هذا اهتماماً وحرصاً أمريكياً على استقرار الأوضاع في محافظة حضرموت".
وفي أغسطس الماضي، زار وفد عسكري ضم ضباطاً أمريكيين مديرية "بروم ميفع"، الواقعة على ساحل بحر العرب بحضرموت، وبحث مع مسؤولين محليين التعاون في الجانبين الأمني والعسكري.
كما زار وفد أمريكي رفيع، في 3 مارس الماضي، محافظة حضرموت وضم المبعوث الخاص لليمن تيموثي ليندر كينغ، والقائمة بأعمال السفارة الأمريكية لدى اليمن كاثي ويستلي، وعدداً من المستشارين الأمريكيين.
وفي أكتوبر 2021 انتشر جنود من المارينز في مدينة "غيل باوزير" وقاموا بعمليات تفتيش لعدد من السيارات والأماكن العامة في محيط مستشفى المدينة في أثناء زيارة ميدانية لمنظمة أمريكية لدعم المستشفى بالأجهزة والمعدات الطبية.
وتشير المعلومات إلى أن الولايات المتحدة لديها قاعدة مشتركة مع الإماراتيين في مطار الريان بالمكلا، إضافة إلى اشتراكها في القاعدة العسكرية بمطار الغيضة بمحافظة المهرة، التي توجد فيها أيضاً قوات بريطانية.
أمريكا و"الإرهاب"
يرى المحلل العسكري والاستراتيجي د.علي الذهب، أن التحرك الأمريكي حالياً لم يكن اهتماماً محصوراً بالطاقة أو النفط كما يعتقد البعض، "وإنما اهتمام بالإرهاب، باعتباره أحد الأعداء غير التقليديين الذين تواجههم الولايات المتحدة، بأنحاء العالم كافة".
ويشير "الذهب" في حديثه لموقع"الخليج أونلاين"، إلى أن المناطق الساحلية- خصوصاً حضرموت وعدن- ذات أهمية كبيرة؛ لكون المصالح الأمريكية "تعرضت فيها لكثير من الهجمات، على رأسها المدمرة الأمريكية كول في عام 2000، ثم ناقلة النفط الفرنسية لمبرج في 2001، وهذا يعني أن هذه المناطق تثير كثيراً من الشواغر الأمنية لدى الغرب".
ويضيف: "سبق أن سيطر تنظيم القاعدة على الشريط الساحلي بحضرموت في 2015، وكانت مديرية بروم ميفع أحد الملاذات الآمنة للتنظيم، حيث استهدف الجيش فيها في ذلك الوقت، واعتبر أنه جيش متحوث (نسبة للحوثيين)، بحسب البيانات التي أصدرها".
وأشار إلى أن "هذه المنطقة مسار اهتمام للغرب، لكن الحرب أضافت أبعاداً أخرى اقتصادية لهذا البُعد، متمثلة بتداعيات الحرب الأوكرانية والحاجة إلى الطاقة".
واعتبر "الذهب" أن "السبب الرئيس لوجود الولايات المتحدة هو الإرهاب"، طارحاً بعض الأسئلة بقوله: "لماذا نشأ الإرهاب في هذه المناطق، ولماذا تركّز أمريكا عليها؟"، مجيباً بالقول: "لكون حضرموت تمثل 33% من مساحة اليمن، وهي سلة غذاء اليمن، ويحتل شريطها الساحلي واجهة كبيرة تنفتح على المحيط الهندي، الذي توجد فيه قواعد عسكرية أمريكية".
ويرى أنه في ظل الحرب في اليمن، "مكّن التحالف العربي كثيراً من القوى الغربية كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، من أن يكون لها وجود في المناطق الساحلية"، مضيفاً: "لا أستبعد أن يكون لها وجود في جزيرة عبد الكوري، التي يجري الإعداد فيها لمدرج إضافي للطيران، مع أنه لا يوجد طيران في اليمن، إضافة إلى جزيرة ميون في العتبة الجنوبية لباب المندب".
وتابع: "لذلك فإن الإرهاب هو إحدى الذرائع والأدوات التي تتخذها الدول العظمى ليكون لها نفوذ في عمق الدول الهشة، وتأثير ومشاركة في قراراتها، خاصةً قرارها الأمني"، معتبراً أن الجماعات العنيفة "تعتبر إحدى وسائل الولايات المتحدة للدخول لهذه الدول بعد تصنيفها كجماعات إرهابية؛ لكونها تضر بمصالح الولايات المتحدة والأمريكيين خارج الولايات المتحدة".
ويؤكد أن ما يجري في بحر العرب الذي تطل حضرموت عليه، "يعد انعكاساً لما يجري في البر الرئيس بهذه المناطق من عنف على مستوى الدولة والجماعات، وهذا واضح في اليمن والصومال وإيران".
وخلص في ختام تعليقه إلى أن "الوجود الأمريكي هدفه خلق حالة تشابك بين مختلف حلفاء الولايات المتحدة وقواتها الموجودة في البحر؛ لمواجهة ما يؤثر على مصالحها، في ظل التحولات التي تشهدها دول الخليج، وعلى وجه الخصوص ما يحصل في إيران، فضلاً عن امتداد النفوذ الإيراني في جنوبي البحر الأحمر، وكذلك التنافس الصيني والأمريكي الذي هو حاضر، لأنه يمس بمصالح واشنطن من زاوية المفهوم الواسع للأمن".
أهمية حضرموت
على مدار سنوات طويلة بقيت محافظة حضرموت، جنوب شرقي اليمن، بعيدة عن الصراع الدائر منذ نحو 5 سنوات، باستثناء سيطرة مؤقتة لتنظيم القاعدة على مدينة المكلا، انتهت بانسحاب مفاجئ عقب دخول القوات الإماراتية عام 2016.
وتتميز حضرموت بامتلاكها ثقلاً سياسياً كبيراً يمكّنها من الإسهام بفاعلية في رسم مستقبل الدولة اليمنية الفيدرالية التي يحلم بها اليمنيون، كما أنها تشكل حجر عثرة في طريق المشاريع التي ترغب في انفصال جنوب البلاد عن شماله.
وتعد حضرموت أكبر محافظات اليمن؛ إذ تمثل أكثر من ثلث مساحة البلاد (36%)، وتمتلك شريطاً ساحلياً طوله 450 كم، فضلاً عن ثروة نفطية ومعدنية وسمكية، إضافة إلى ساحل هو الأطول لمحافظة يمنية مع السعودية.
ويتكون ساحل وهضبة حضرموت من 12 مديرية، تعتبر مسرحاً للنفوذ الإماراتي منذ أبريل 2016، أما مدن وادي حضرموت فتتمركز فيها قوات للسعودية حيث توجد المنطقة العسكرية الأولى التي يطالب المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات بإخراجها من المحافظة.