مضى عام على إعلان الهدنة في اليمن مطلع أبريل من العام الماضي، ولا يزال البلد في نفق مظلم، حيث يعيش وضع اللاحرب واللاسلم، وسط محاولات أممية ودولية للوصول إلى اتفاق شامل لإنهاء الحرب في البلد المثقل بمزيد من الجراح.
ونجحت الهدنة كلياً في ما يتعلق بتوقف الهجمات العابرة للحدود، سواء من قبل السعودية التي أوقفت الهجمات الجوية، أو الحوثيين الذين توقفوا عن شن أي هجمات بالطائرات المسيّرة على أراضي المملكة، لكن على مستوى الجبهات الداخلية تتصاعد الاشتباكات بين أطراف القتال المحلية ما بين الحين والآخر.
ومع مرور عام على إبرام اتفاق الهدنة (2 أبريل 2022)، لا يزال المجتمع الدولي يرى خفض التوتر في اليمن خطوة إيجابية نحو السلام، فهل تغير المشهد فعلياً، أم لا يزال يراوح مكانه؟
تفاؤل دولي
يبدي المجتمع الدولي الفاعل في الأزمة اليمنية تفاؤله مما شهدته الحالة اليمنية خلال عامٍ مضى، وهو ما كان لافتاً في التصريحات المختلفة، التي كان من بينها تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أكد "دعم كل الجهود الرامية إلى حل شامل للأزمة اليمنية".
وفي بيان نشره البيت الأبيض بمناسبة مرور عام على الهدنة في اليمن، قال بايدن (2 أبريل 2023)، إن الهدنة "أنقذت أرواحاً لا حصر لها من اليمنيين، وسمحت بزيادة تدفق المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد"؛ مشيراً إلى أنها سمحت لليمنيين أيضاً بالسفر.
وتحدث بايدن عن "توقف الهجمات عبر الحدود من اليمن في العام الماضي، وكذلك الغارات الجوية داخل اليمن"، مؤكداً أن ذلك "نتيجة إيجابية أخرى للهدنة".
بدوره قال المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إن "الهدنة ما زالت قائمة إلى حد كبير، ويستمر تنفيذ الكثير من بنودها حتى اليوم".
وأشار المبعوث الأممي في كلمة له بمناسبة مرور عام على اتفاق الهدنة، أن أهم ما بشرت به الهدنة "هو تعزيزها لفرصة إطلاق عملية سياسية جامعة تهدف إلى إنهاء النزاع بشكل شامل ومستدام".
لكنه أقر بأن الإنجازات الهشة للهدنة وبوجود مخاطر كبيرة تهدد تجديدها إثر التصعيد العسكري والاقتصادي والخطابي في الأسابيع الأخيرة من قبل مليشيات الحوثي.
وجاء إعلان الهدنة بالتزامن مع مشاورات كان قد أطلقها مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض أواخر مارس من العام الماضي، واستمرت حتى الشهر السابع من ذات العام.
وتعليقاً على مرور عام على تلك المشاورات، قال أمين عام المجلس، جاسم البديوي، إن الظروف الحالية "مواتية للانخراط في محادثات السلام للتوصل إلى حل سياسي وفق المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الشامل وقرار مجلس الأمن 2016".
وأضاف: "إن تلك المشاورات توصلت إلى آليات مهمة لتعزيز وحدة الصف، وبناء قنوات التواصل والتشاور والمصالحة، ودعم القرار الاقتصادي لرفع المعاناة عن الشعب اليمني الشقيق واستئناف عملية التنمية والبناء".
تصعيد الحوثيين
وخلال الأسابيع الماضية، صعد الحوثيون هجماتهم العسكرية، حيث نفذوا هجوماً على على مواقع للقوات الحكومية في جبهات بمحافظتي مأرب وشبوة (شرق اليمن) وحققوا اختراقاً ميدانياً نسبياً، فيما واصلوا هجماتهم في تعز والضالع.
كذلك فقد استهدف الحوثيون بطائرة مسيرة موكباً كان يقل وزير الدفاع اليمني محسن الداعري ومحافظ تعز نبيل شمسان، في مدينة تعز جنوب غربي البلاد، في 25 مارس الماضي، وقد نجوا منه.
وفي مأرب، رصدت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (تابعة للحكومة) نزوح أكثر من ألفي مدني غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، يمثلون نحو 300 أسرة، من مناطق المواجهات في حريب جنوبي المدينة، بعدما تعرضت قراهم ومنازلهم ومزارعهم للقصف الحوثي.
وأطلق وزير الدفاع في حكومة الحوثيين (غير معترف بها) محمد العاطفي، أواخر مارس، تهديدات جديدة للتحالف الذي تقوده السعودية.
وقال إنهم "إذا لم ينصاعوا لتحذيرات" زعيم المليشيا "ونصائحه في وقف عدوانهم ورفع حصارهم والرحيل من الأراضي اليمنية المحتلة، فسيندمون كثيراً".
بدوره اتهم الناطق باسم جماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، دول التحالف بعدم الجدية، قائلاً: "مع مرور عام على الهدنة وما تلاها من تهدئة نكون أمام فترة زمنية كافية لتظهر جدية دول التحالف حول السلام".
وأضاف: "لكنها (دول التحالف) عوضاً عن ذلك أبقت للأسف على حالة الحرب بالمماطلة وباستمرار الحصار ورفض صرف المرتبات وغيرها من الخطوات اللازمة لإحلال أي سلام"، على حد تعبيره.
الحوثي المستفيد
يؤكد الصحفي والناشط عبد المجيد علي، أن المستفيد من الهدنة أولاً وأخيراً كانت جماعة الحوثي، حيث مكنها ذلك من وقف هجمات التحالف عليها، وتحقيق بعض مطالبها؛ كفتح مطار صنعاء لبعض الرحلات الجوية، والسماح بدخول السفن لميناء الحديدة بشكل طبيعي، وبعض الفوائد الأخرى.
ويشير إلى أن مليشيا الحوثي "لم تلتزم ببنود الهدنة التي كانت تتضمن فك الحصار عن مدينة تعز، ووقف هجماتها الصاروخية والقصف والقنص في مأرب وتعز وبعض المحافظات اليمنية".
وأكد لـ"الخليج أونلاين"، أن السعودية "استفادت أيضاً بوقف هجمات الحوثي وعدم تهديد المليشيا لمنشآتها النفطية والتي كانت تتعرض لقصف بين الحين والآخر ".
وعلى الرغم من تهدئة التوتر بين الحين والآخر، فإن علي يؤكد أن "الحوثي لم ولن يلتزم بأي هدنة ووقف التصعيد، وأكبر دليل على ذلك تصعيده المستمر خصوصاً على مأرب، ووقف تصدير النفط اليمني خارج البلاد بعد هجمات على موانئ في حضرموت وشبوة".
محادثات وتحركات دولية
خلال الأشهر الماضية، دارت محادثات ثنائية سرية بين الحوثيين والسعودية بوساطة عُمانية للاتفاق على وقف إطلاق النار وتمديد الهدنة، لكنها تعثرت ولم ينتج عنها أي اتفاق عملي بعد.
وفي غضون ذلك، أعلن بشكل مفاجئ في شهر مارس الماضي عن مصالحة إيرانية - سعودية برعاية صينية، وهو تحول ينتظر أن ينعكس على الأزمة اليمنية.
ولمحت إيران، أواخر مارس، إلى اتفاق قادم بشأن اليمن، ورحبت بالانفتاح النسبي الناجم عن وقف إطلاق النار والسلام المحدود الذي شهده اليمن، معتبرة أن الأرضية الآن أصبحت مناسبة للتوصل إلى اتفاقٍ نهائي.
ويحاول المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، استغلال التقارب السعودي الإيراني، للمضي قدماً نحو تسوية سياسية، بعدما نجح برعاية اتفاق بين الأطراف اليمنية حول صفقة تبادل للأسرى والمختطفين، من المقرر أن يتم تنفيذها خلال الأيام القليلة القادمة.
وكانت الأمم المتحدة رعت هدنة، في 2 أبريل من العام الماضي، لمدة شهرين، قبل أن تمدَّد مرتين على التوالي، وانتهت في 2 أكتوبر الماضي، بعد رفض الحوثيين المضي في الهدنة بعد طرحهم مطالب وصفتها الحكومة اليمنية بالتعجيزية، وسط رفضهم تحقيق البنود المطروحة.