باختصار شديد يعود تعثر نتائج المباحثات بين ممثلي المجتمع الدولي والإنقلابيين ، إلى ابتزاز الحوثيين وتلويحهم بمواصلة الحرب التي اعتقدوا انها نقطة ضعف الأطراف الاقليمية والدولية والمحلية إذا لم يتمكنوا من تحقيق ما يخططون له مقدما عبر تمثيلية جولات الوساطات العمانية.
تفترق إرادة طرف المجتمع الدولي وسلطة الشرعية و الحوثيين عند رغبة الأول في انهاء وضع الإقتتال والإنتقال الى مرحلة التوافقات والتطبيع السياسي والإقتصادي ووضع حد نهائي لتداعيات الحرب اللا إنسانية في اليمن كهدف رئيسي لجولات المبعوثين الأممي و الإمريكي والوسيط العماني وغيرهم.
أما الانقلابيون فيرفعون خدعة الجانب الإنساني أولا أمام الرأي العام اليمني الذي اقتصر في السابق على رفع القيود عن الموانئ والمطارات وزيادة الرحلات الجوية فقط الى تصعيد مطالبتهم بنسبة كبيرة من عائدات النفط والغاز والثروات الأخرى بدعوى صرف المرتبات وتمويل الخدمات والمشاريع المحلية بعد ضرباتهم العسكرية الغاشمة لموانئ تصدير النفط والغاز.
يساوم الحوثيون التحالف والشرعية والأطراف الأخرى بفزاعة إشعال الحرب وضرب أهداف إستراتيجية وحيوية في المملكة وتهديد الملاحة والتجارة الدولية للرضوخ لمطالبهم التعجيزية في الانفراد والتحكم مقدما بأرض وثروة مستقلة والإبقاء على قواتهم العسكرية وسلاحهم مجانا دون تنازلات حقيقية تؤكد اقترابهم نحو مسار السلام الشامل والعادل للكارثة اليمنية.
ليست المسألة اذن كما يصورها اعلام مليشيات الحوثي في رفض الطرف الآخر والأمم المتحدة والأمريكان صرف المرتبات وحصار اليمنيين الذي نهب وصادر الحوثي كل ما يتعلق بمعيشتهم وحقوقهم وكرامتهم ومستحقات موظفي الدولة منها, ورفض صرفها لهم من عائدات ميناء الحديدة وغيرها من الموارد في أبشع جريمة تجويع وحصار لا إنسانية في التاريخ البشري.
وافق الإنقلابيون مؤخراً على صرف المرتبات بحسب كشوفات عام ٢٠١٤م التي رفضوها من قبل لكنهم اشترطوا إضافة أبواب الموازنة التشغيلية تحت إدارتهم المقدرة بأضعاف مرتبات الموظفين, ليسهل عليهم توظيف الأموال على مليشياتهم وتطوير قدراتهم العسكرية, وأصروا على نقل البنك المركزي إلى صنعاء قبل إقرارهم بالسلام ومصير أسلحتهم وقبولهم بالتعددية السياسية الحزبية وصناديق الإقتراع. يريدون حصاد الأموال والثروات مقدما والتثبيت العسكري على الأرض كأمر واقع يصعب زحزحته لاحقا مع تقديراتهم و إحساسهم بتململ وتخاذل الطرف الآخر عن الردع والتصدي والمواجهة.
* أمريكا وابتزاز الحوثي*
وعلى المستوى السياسي أدى ضغط الإدارة الأمريكية في ملف المفاوضات وتأكيد رؤية المضي بالحل الشامل في اليمن دون تجزئة أو ابتزاز حوثي إلى تذمر الإنقلابيين وانكشاف نواياهم المراوغة من السلام الحقيقي, وأنهم فقط يسعون إلى جزئيات حلحلة الحصار المالي الخانق عليهم باسم النغمة الإنسانية ورواتب الموظفين وإلغاء القيود على الموانئ والمطارات والرحلات الجوية دون رغبة في إنهاء الحرب.
عدا اشتراط القوى الكبرى التفاوض الثنائي بين الأطراف اليمنية بإشراف الأمم المتحدة بعد رهان الحوثيين على مباحثات انفرادية فقط مع السعودية تستثني طرف الشرعية اليمنية وتفرض على المملكة شروطهم.
يتحدث الحوثيون عن الجانب الإنساني ولا يرغبون في فتح المعابر والطرقات بين المدن والمناطق, ولا يدخل الإفراج عن الأسرى والمعتقلين في حدود تقديراتهم للإنسانية.
وقد يوافقون على هدنة محدودة لابتزاز ما يريدون منها لكنهم لا يرغبون في انهاء الحرب وإحلال السلام النهائي.
وحتى شماعة مرتبات الموظفين عندهم فهي وسيلة بشعة لاغتصاب أموال وحقوق الناس يشترطون ابقائها تحت سيطرتهم وتصرفهم وليس تسليمها إلى أصحابها عبر مصارف محايدة..
ودفع ذلك المبعوث الأمريكي ليندركينج إلى مطالبة الإنقلابيين بالكف عن مطالبهم المتطرفة ازاء المرتبات والتوقف عن ذلك..
عدا رفضهم توريد عائدات النفط والغاز وإيرادات الموانئ والمطارات والجمارك والتجارة وغيرها الى البنك المركزي في عدن بإشراف يمني-عربي- دولي.
* الرهان على حرب النفط والغاز*
ويعتقد الحوثيون إن حرب النفط والغاز ومنع تصديرها بالقوة من مناطق وجود الحكومة الشرعية سوف ترغم الأطراف الأخرى على الإذعان في النهاية لشروطهم المتطرفة, بالتوازي أيضا مع تواتر التهديدات المستمرة بإشعال المنطقة بالأسوأ. وبعد مرور قرابة عام على إغلاقهم موانئ التصدير والأعباء المالية المحمولة على عاتق حلفاء الشرعية الدوليين والإقليميين منيت حسابات الانقلابيين بالفشل الذريع رغم تداعيات أعباء ذلك أيضا على حياة ومعيشة الناس في مناطق سيطرة الشرعية وتدهور أسعار الصرف وتضخم أسعار المواد الغذائية وغيرها.
وباختصار يطالب الإنقلابيون باستلام ثمن كل هدنة مقدما دون تنازلات مقابلة حتى في جانب فتح الطرقات والأسرى الإنساني.
ولعل كل ما يروج له من تقدم في المباحثات مجرد مناقشات نظرية ملغومة تدور حول تقاسم الثروة ورواتب الموظفين ولا تؤسس لرغبة الإنقلابيين في السلام والتعايش مع غيرهم من الكيانات والقوى والتوافقات ونزع السلاح بإشراف أممي وبناء دولة.
وليس في حساباتهم وقف الحرب الا في احتمال حفاظهم على حدود ما هم عليه من سيطرة جغرافية وعسكرية وتحكم بمستقبل اللعبة السياسية والثروة والمال في اليمن.