في عالمٍ يتشابك فيه الألم مع الأمل، وتختبئ الحقيقة خلف ستائر الغرف المعقمة، تظهر الدكتورة نوف عرمان الصغير كنبضٍ مختلف، كإيقاعٍ متناغم وسط فوضى التكرار. ليست مجرد طبيبة ( أخصائية ) تحمل شهادةً في التخدير والعناية المركزة، بل هي فكرٌ متّقد، وقلبٌ يعي معنى المسؤولية، ويدٌ تعرف أن لكل خطٍ تكتبه أثراً يتجاوز الورق.
في زمنٍ اعتاد فيه المرضى والصيادلة على فك شيفرات الخطوط المبعثرة التي يخطها الأطباء بغير اكتراث، جاءت نوف لتكسر هذه القاعدة، لتعيد للكتابة الطبية هيبتها، فتكتب لا كما اعتاد البعض، بل كما ينبغي أن يُكتب الطب—بوضوحٍ كالشمس، بنظامٍ كالهندسة، وبجمالٍ يعكس دقة الروح قبل دقة القلم. تدرك أن كل حرفٍ تنسجه يدها قد يكون الفاصل بين حياةٍ تُنقذ أو خطأٍ يقتل، بين وضوحٍ يسرّع الشفاء أو غموضٍ يضاعف المعاناة.
حين تقع وصفاتها بين يدي صيدلي، لا يضطر إلى تأملها طويلاً، أو تحليل خطوطها كأحجيةٍ غامضة، بل يجد أمامه كلماتٍ مرتبة، حروفاً واضحة، رسالةً مكتملة لا تحتاج إلى تأويل. ليس خطها الجميل مجرد صدفة، بل هو انعكاسٌ لفكرٍ منظم، لروحٍ مؤمنة بأن مسؤولية الطبيب لا تنتهي عند التشخيص، بل تمتد حتى تصل كلماته، كما يجب، إلى من سينفذها.
الدكتورة/نوف عرمان الصغير ليست كغيرها ممّن يرون الوضوح أمراً ثانوياً، بل تدرك أنه جزءٌ لا يتجزأ من جوهر المهنة، من احترامها لكل مريضٍ وضع ثقته بين يديها. إنها تعرف أن الطب لا يقتصر على الأدوية والتشخيصات، بل يمتد ليشمل الطمأنينة، الإحساس بأن هناك من يهتم، من يكتب ليُفهم، من يدرك أن الحروف قد تكون أحياناً علاجاً بحد ذاتها.
كم من مريضٍ تلقى وصفةً غامضةً، فظل حائرًا بين سطورٍ لا يفهمها؟ وكم من صيدليٍ أضاع وقته في محاولة فك طلاسمٍ لم تُكتب لتُقرأ، بل كُتبت كيفما اتفق؟ لكن نوف ليست كبقية الأطباء الذين استسلموا لهذه العادة، بل حملت قلمها كأداة تُكمل رسالتها، لا كعقبةٍ تعترضها.
حين أسمع عن طبيبةٍ تكتب بهذا الجمال، لا أقصد جمال الخط فحسب، بل جمال الفكر والنظام والانضباط، فإنني أجد نفسي أبتسم، أشعر بأملٍ يتجدد في أن الطب لا يزال يضم بين صفوفه من يحترم تفاصيله، من يؤمن بأن أصغر الأشياء قد تصنع أعظم الفرق، وأن المريض يستحق هذا المستوى من العناية والوضوح.
ورغم أنني لا أعرفها شخصياً، إلا أنني متيقنٌ أن كل من تعامل معها—مريضٌ قرأ وصفاتها دون حيرة، أو صيدليٌ نفّذ تعليماتها دون اضطراب—يشعر بالامتنان ذاته الذي أشعر به الآن. فهي ليست مجرد طبيبة، بل مثالٌ للالتزام، للوعي، ولإدراك أن الطب ليس مجرد مهنة، بل رسالةٌ تُكتب بحروفٍ واضحة، تماماً كما تفعل الدكتورة/نوف عرمان الصغير.