أقيم حفل التدشين تحت الرعاية الكريمة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات - حاكم إمارة الشارقة، والرئيس الفخري للمؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا.
تأتي هذه المبادرة استجابة للحاجة الملحة لوجود كيان متخصص يدعم أكثر من 40 ألف باحث ومهني في مجالات الصحة البيئية في الوطن العربي، حيث تفتقر المنطقة إلى مظلة شاملة تجمع هذه الطاقات وتدعم جهودهم في حماية البيئة وصحة الإنسان.
وفي الكلمة الترحيبية التي ألقاها الأستاذ الدكتور عبداللـه عبدالعزيز النجار، رئيس مجلس إدارة المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، أشاد بدعم سمو حاكم الشارقة، وأشار إلى الدور البارز الذي لعبته المؤسسة على مدى الـ 25 عامًا الماضية في دعم البحث والابتكار، وتعزيز أداء العلماء والباحثين العرب. وذكر أن هذه الشبكة هي أول شبكة مهنية عربية تمنح ألقاب مهنية متخصصة في اختصاصها. وقال إن "الملوثات البيئية الناشئة" ليست مجرد مصطلحات حديثة، تشير الى الملوثات الخطرة غير المرئية بالعين المجردة، والتي غالبًا ما تخرج عن نطاق الرقابة البيئية التقليدية، بل إنها تمثل تحديات تعبر حدود الدول، وتتسلل إلى غذائنا، مائنا، وحتى جيناتنا، وتتسبب في خسائر اقتصادية في العالم العربي تتجاوز 8 مليارات دولار سنويًا، وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على قطاعات الصحة والاقتصاد والبيئة.
وذكر أن المؤسسة سبق وقدمت دعمًا تجاوز 30 مليون دولار أمريكي من خلال عدة مبادرات، وساهمت في تأسيس 147 شركة تكنولوجية ناشئة. وكان من أبرز المبادرات الأخيرة "مبادرة أمل المستقبل" التي تنفذ بشراكة استراتيجية مع اتحاد الجامعات العربية واتحاد مراكز البحث العربية، وجامعة ستاردوم. والتي تهدف إلى توفير 3000 منحة دراسية للطلبة الذين يعانون من النزوح داخل أوطانهم أو في بلدان أخرى بسبب الحروب والنزاعات والكوارث، لاستكمال دراستهم الجامعية.
شهد حفل التدشين محاضرة علمية رفيعة المستوى ألقاها البروفيسور رافي نايدو، الخبير العالمي والحائز على جوائز دولية مرموقة في مجال التلوث البيئي، ورئيس المركز العالمي لتقييم ومعالجة التلوث البيئي (crcCARE) في أستراليا. والذي قدم فيها رؤية تحليلية معمقة حول واقع التلوث بالملوثات البيئية الناشئة في المنطقة العربية، مستعرضًا التجربة الأسترالية الرائدة في إدارة تلك الملوثات، وأبدى دعمه التام للشبكة.
تناول البروفيسور نايدو السياسات البيئية المستدامة وأحدث التقنيات العلمية التي طورها المركز، والتي باتت تمثل نموذجاً عالمياً في تقييم ومعالجة التلوث البيئي، وصياغة حلول عملية قائمة على الأدلة العلمية. وأكد على التعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثية والبيئية ذات الصلة في المنطقة العربية، بهدف تبادل الخبرات والتجارب بما يساهم في وضع خطة إقليمية فعّالة للحد من انتشار تلك الملوثات، وتعزيز الجهود المشتركة نحو بيئة أكثر استدامة وأمانًا
وقدّمت البروفيسورة نجوى عبدالمجيد محمد، أستاذة علم الوراثة بالمركز القومي للبحوث في مصر، ورئيس اللجنة الاستشارية في الشبكة، عرضًا تناول المخاطر الصحية والاقتصادية للملوثات البيئية الناشئة، حيث بيّنت ارتفاعاً مقلقاً في معدلات اضطراب التوحد من طفل واحد لكل 166 طفلًا عام 2004 إلى طفل لكل 36 طفلاً في عام 2023، مما يشير إلى ارتباط محتمل بين التلوث البيئي واضطرابات النمو العصبي لدى الأطفال.
واستعرض الدكتور عادل الغيثي، رئيس مجلس إدارة الشبكة، آليات العمل داخل الشبكة، موضحاً خطوات الحصول على العضوية المهنية، ودور الشبكة في التأهيل والتدريب المستمر لكافة أعضائها. وأشار إلى أن الشبكة تسعى إلى التعاون مع الأفراد والمؤسسات المعنية لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة الناتجة عن "الملوثات البيئية الناشئة"، والتي غالبًا ما تخرج عن نطاق الرقابة البيئية التقليدية، رغم ما تمثله من خطورة كبيرة على الصحة العصبية والنمو العقلي للأطفال.
وأكد الدكتور الغيثي أن الشبكة تعمل على بناء قدرات عربية متقدمة في مجالات تقييم ورصد ومعالجة التلوث الناتج عن "المواد الكيميائية الأبدية" (PFAS)، والجزيئات البلاستيكية الدقيقة (MPS)، وبقايا الأدوية ومستحضرات التجميل (PPCP). كما نوّه إلى نتائج دراسات حديثة كشفت مدى خطورة الملوثات البلاستيكية الدقيقة (الميكروبلاستيك)، إذ يتناول الإنسان أسبوعيًا كمية منها تعادل حجم بطاقة ائتمان بلاستيكية كاملة. وأضاف أن التكلفة العالمية لمعالجة الآثار الناتجة عن مركبات PFAS تصل إلى حوالي 17.5 تريليون دولار سنوياً، بينما لا تتجاوز أرباح الشركات المنتجة لهذه المركبات 4 مليارات دولار سنوياً، ما يبرز خللاً واضحاً في التوازن بين المنافع الاقتصادية والصناعية من جهة، والتكاليف الصحية والاقتصادية من جهة أخرى.
وبهذه المناسبة، أعلنت المؤسسة عن دعمها للمختصين والمهنيين العرب في مجال الملوثات البيئية الناشئة بتقديم 100 منحة بالتعاون مع مركز crcCARE، تغطي رسوم العضوية المهنية من الدرجة الثالثة والرابعة وهي اعلى شهادة عضوية تمنحها الشبكة للخبراء والاستشاريين في مجال البيئة
شهد حفل التدشين، الذي أُقيم عبر المنصة الإلكترونية ZOOM حوالي 296 متخصص وباحث في مجال التلوث البيئي من مختلف الدول العربية بالإضافة الى ما يزيد عن 105 مشاهدة عبر البث المباشر في قنوات التوصل الاجتماعي التابع للشبكة، كما بلغ اجمالي الذين سجلوا وأبدوا اهتمامهم بالشبكة حوالي 930 مختص، وقد أشاد الحاضرون من خلال مداخلاتهم بأهمية مثل هذه الشبكات المهنية في التدريب والتأهيل، والتصدي للملوثات البيئية الناشئة في الوطن العربي.
الجدير بالذكر أن هذه الشبكة تُعدّ أول شبكة عربية مهنية متخصصة تسلط الضوء على الملوثات البيئية الناشئة تم انشاؤها عبر نخبة من المتخصصين في علوم الملوثات البيئية الناشئة.
وفي ختام الحفل، دعت "المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا" جميع المهتمين بالبيئة والصحة العامة — من باحثين، وصنّاع قرار، ومؤسسات علمية ومجتمعية — إلى الانضمام إلى هذه المبادرة الرائدة، والمساهمة في بناء مستقبل عربي خالٍ من التلوث البيئي الصامت والخطير.