أصدر أكثر من مئة أميرال تركي متقاعد بيانا مشتركا، حذروا فيه من المساس باتفاقية "مونترو" الدولية، المتعلقة بالملاحة في المضائق التركية، الموقعة عام 1936، وألمحوا فيه إلى الاعتراض على كل من مشروع "قناة إسطنبول"، ومساعي الرئيس رجب طيب أردوغان صياغة دستور جديد للبلاد.
وأثار البيان غضب مسؤولين في الحكومة التركية، وأضفى أجواء ارتياب بشأن عودة المؤشرات لتدخل عسكري في الشؤون السياسية، أو احتمال أن تشهد البلاد محاولة انقلابية جديدة، فيما فتحت أنقرة تحقيقا رسميا بحسب وسائل إعلام محلية.
وأعرب المتقاعدون العسكريون، في بيانهم الذي تناقلته وسائل إعلام محلية، واطلعت عليه "عربي21"، عن قلقهم إزاء النقاش حول اتفاقية "مونترو"، التي تنظم العلاقة بين سيادة البلاد على مياهها، وحرية الملاحة بالنسبة للدول الأخرى.
واعتبر الموقعون على البيان أن النقاش في وسائل الإعلام وأروقة صنع القرار يأتي في ضوء مضي البلاد في تنفيذ مشروع "قناة إسطنبول" المائية، التي تهدف إلى توفير بديل ملاحي لمضيق البسفور، يصل بين البحرين الأسود ومرمرة.
كما يأتي ذلك، بحسبهم، في وقت قامت فيه أنقرة بالفعل من الانسحاب من اتفاقية دولية، في إشارة إلى "اتفاقية إسطنبول" المعنية بوقف العنف ضد المرأة، والتي اعتبرت تركيا أنها لم تفلح بتحقيق ذلك
ويدور نقاش من وقت لآخر في تركيا حول صلاحية بعض الاتفاقات والمعاهدات الدولية، التي تعود إلى السنوات الأولى لتأسيس الجمهورية، ولا سيما في سياق مشاريع طموحة تمس المضائق أو المساحات المائية.
ولفت تقرير لموقع "تي24" إلى أن البيان يأتي بشكل خاص تعقيبا على إشارة رئيس البرلمان، مصطفى شنطوب، في تصريح صحفي، مؤخرا، إلى إمكانية مضي أنقرة بإلغاء "مونترو"، كما ألغت اتفاقية إسطنبول.
وقال بيان العسكريين المتقاعدين إن المضائق التركية هي من أهم الممرات المائية في العالم، مشددا على أن "مونترو" هي الكفيلة بضمان حقوق البلاد فيها بأفضل طريقة.
وأضاف الموقعون أن مونترو هي الوثيقة الأساسية الضامنة لأمن البلدان المشاطئة للبحر الأسود، وهي "العقد الذي يجعل البحر الأسود بحر سلام"، ومكّنت البلاد من الحفاظ على حيادها خلال الحرب العالمية الثانية.
واعتبر البيان أن القوات المسلحة، وخاصة البحرية، تعرضت في السنوات الأخيرة لهجوم من قبل تنظيم "غولن"، وإلى "مؤامرات غادرة"، مشددا على ضرورة أن يكون الدرس المستفاد هو الحفاظ "بجد على القيم الأساسية للدستور التي لا يمكن تغييرها أو عرض تغييرها".
كما زعم وجود "جهود" لحرف الجيش التركي عن "المسار المعاصر الذي رسمه (مصطفى كمال) أتاتورك"؛ مؤسس الجمهورية.
ولفت تقرير "تي24"، إلى أن الجزئية الأخيرة تخص تحديدا ظهور قائد عسكري رفيع في البحرية التركية، مؤخرا، مرتديا زيا صوفيا في "تكيّة"، ما أثار جدلا وغضب المتعصبين لـ"علمانية الجيش".
ردود فعل غاضبة
ورد مسؤولون أتراك بعنف على البيان، محذرين من أي محاولة لاستجلاب أجواء الانقلابات وسطوة العسكر على التوجهات الشعبية التي تعكسها المؤسسات السيادية المنتخبة ديمقراطيا.
وعبر "تويتر"، شدد وزير الداخلية سليمان صويلو على تمجيد من يرتدون الزي العسكري في البلاد، بمن فيهم المتقاعدون، مستدركا بتحديد أولئك "الذين لا يستخدمون زيّهم أداة سياسية".
وبدوره، كتب فخر الدين ألطون، مخاطبا الموقعين على البيان: "من أنتم؟ وبأي حق تشيرون بأصابعكم للممثلين الشرعيين للإرادة الوطنية؟".
وأضاف ألطون، مدير الاتصال في الرئاسة التركية: "تركيا دولة قانون. لا تنسوا هذا أبدا. لن يضر (مدّعوا) الوصاية بديمقراطيتنا مرة أخرى. بيدق خاسر من القوى الأجنبية يزداد قوة لا يقطع جبهة تركيا!".
وبدوره، وصف فؤاد أوكتاي، نائب الرئيس التركي، من أصدروا البيان بأنهم "جبناء" و"عاشقون للانقلاب"، معتبرا أنهم لم يتمكنوا بعد من هضم الإرادة الشعبية.
وتصدرت القضية على تويتر، مساء السبت، وبشكل بارز على هاشتاغ "HodriMeydan"، وهي عبارة لتحدي الخصم بالمواجهة، الذي حل أولا باهتمامات المغردين.
وذكّر مغردون بأحداث المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، وكيف أسفرت عن اعتقالات واسعة لعناصر عسكرية، فيما اعتبر انتصارا للإرادة المدنية.