وفقا لبيان صادر من "معهد علوم تلسكوب الفضاء" ("Space Telescope Science Institute "STScI) التابع لوكالة الفضاء الأميركية ناسا، اكتشف علماء الفلك من المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم (KTH Royal Institute of Technology)، لأول مرة أدلة على وجود بخار الماء في الغلاف الجوي لقمر "غانيميد" (Ganymede) التابع لكوكب المشتري.
ويأتي هذا الاكتشاف -الذي نشرت نتائجه دورية "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy)- بعد أن استخدم العلماء مجموعات بيانات جديدة وأرشيفية من تلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا، وبواسطتها تم الكشف عن البخار، الذي يتشكل عندما يتصاعد الجليد على سطح غانيميد، ويتحول من صلب إلى غاز.
ويأمل العلماء بفضل هذا الاكتشاف أن يحددوا كيفية تشكل الغلاف الجوي لدى قمر المشتري.
ماء متبخر
يقول البيان الصادر عن معهد علوم تلسكوب الفضاء إن هناك أبحاثا سابقة أجريت للكشف عن الماء في قمر المشتري غانيميد -تاسع أكبر جسم في نظامنا الشمسي- وقد أشارت تلك الأبحاث إلى أن غانيميد، يحتوي على كمية من الماء أكثر من جميع محيطات الأرض مجتمعة، رغم أنه قمر أصغر -بمقدار 2.4 مرة- من كوكبنا.
وأضاف البيان أن غانيميد شديد البرودة، حيث يمكن أن تصل درجات حرارته إلى 184 درجة مئوية تحت الصفر، بحيث يكون السطح عبارة عن قشرة ثلجية من الماء المتجمد.
ومن المحتمل أن يكون هناك محيط مالح تحت هذه القشرة بنحو 161 كيلومترا، حيث إن هذه المياه الجوفية بعيدة جدا عن سطح القشرة الجليدية لكي تكون مصدر بخار الماء المكتشف في الغلاف الجوي. وبدلا من ذلك، يعتقد الفريق أن البخار قد تشكل عندما تسامى الجليد في سطح غانيميد.
تحليل البيانات السابقة والجديدة
في عام 1998، التقط جهاز التصوير الطيفي للتلسكوب الفضائي لهابل، أول صور الأشعة فوق البنفسجية للقمر غانيميد، التي كشفت في صورتين عن شرائط ملونة من الغاز المكهرب تسمى المجموعات الشفقية، كما تم التقاط صور أخرى عام 2010 بواسطة مطياف "هابل" للأصول الكونية، وكذا الصور التي تم التقاطها في أبريل/نيسان 2018.
وفي جزء من برنامج مراقبة للكشف عن أدلة جديدة لوجود المياه في قمر المشتري غانيميد، قام فريق من المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم بالسويد، بفحص ملاحظات هابل في العقدين الماضيين من 1998 حتى 2018.
وقد كشفت هذه الصور عند تحليلها أن الغلاف الجوي للقمر يحتوي على كميات كبيرة من أيونات الأكسجين، وافترض العلماء أن مصدرها جزيئات الماء التي تظهر نتيجة تأثير أشعة الشمس على الغشاء الجليدي لغانيميد.
وفي سياق إعادة فحص وتحليل الصور والبيانات السابقة، قام العلماء أيضا بتحليل الأرصاد التي حققها "هابل" في أبريل/ نيسان عام 2018، عندما وقع غانيميد لساعات في ظل المشتري.
وقارن العلماء الصور الفوتوغرافية بتلك التي التقطها "هابل" في أعوام ماضية، فاستطاعوا اكتشاف خطوط الماء في طيف غانيميد، وتمكنوا عبر هذا التحليل من تقييم كثافة الماء في غلافه الجوي وكذا قياس كمية الأكسجين الذري.
كما وجد العلماء أن كثافة الماء في الجانبين الشمسي والمظلم تختلف كثيرا، وتبيّن أن كثافة الماء بلغت 30 نانوغراما لكل متر مربع على سطح الجانب الشمسي لقمر المشتري، أما جانبه المظلم فعمليا لا يوجد فيه ماء وهذا ما أصاب العلماء بالدهشة حينها.
الكشف عن أسباب التناقض
ومن أجل الكشف عن أسباب اختلاف كثافة الماء في الجانبين الشمسي والمظلم، ألقى الفريق البحثي نظرة فاحصة على التوزيع النسبي للشفق القطبي في صور الأشعة فوق البنفسجية.
ووضحت الصور أن هناك تباينا في درجة حرارة سطح غانيميد على مدار اليوم، ففي وقت الظهيرة بالقرب من خط الاستواء قد يصبح دافئا بدرجة كافية بحيث يطلق سطح الجليد (أو يتصاعد) بعض الكميات الصغيرة من جزيئات الماء.
وترتبط الاختلافات الملحوظة في صور الأشعة فوق البنفسجية ارتباطا مباشرا بالمكان المتوقع وجود الماء فيه في الغلاف الجوي للقمر.
وفي هذا الصدد يقول لورنز روث رئيس الفريق العلمي من المعهد الملكي للتكنولوجيا "حتى الآن، لم يُلاحظ سوى (الأكسجين الجزيئي) الذي ينتج عندما تعمل الجسيمات المشحونة على تآكل سطح الجليد. بخار الماء الذي قمنا بقياسه الآن ينشأ من التسامي الجليدي الناجم عن الهروب الحراري لبخار الماء من المناطق الجليدية الدافئة".