شكل حزب المؤتمر الشعبي العام طيلة مسيرته السياسية، تجربة ناضجة، تجاوزت ببساطة كافة أشكال الإيديولوجيات المغلقة وعبرت عن مكنون المواطنة الواحدة في جوانب مهمة رغم كثير من التعقيدات الموروثة. إضافة إلى أنه أصبح أرضية متينة لأي عمل حزبي قائم على الوسطية وفكرة السلام الروحي والاجتماعي.
كما أنه كان رافعة لعلاقات ديبلوماسية ناجحة، شكلت محور ارتكاز قويا مع الآخر؛ من منطلق تمثيل الدولة بمنتهى الحكمة، دون اجتراح أي خلل في نظم العلاقات والبروتكولات، وتحقيق توازن مبهر رغم كل المعوقات التي كانت تعترض مسار التراكمات في بناء يمن جديد ومختلف.
اكتمل هذا البناء الحزبي بقيادة الرئيس السابق الشهيد علي عبد الله صالح الذي شكل هو الآخر بشخصيته الكاريزمية خطوطا عريضة من السياسات الواضحة القائمة على لعبة التوازنات الدولية والقطبية الغربية التي هيمنت ولا تزال على مجريات الأحداث خاصة في “الشرق الأوسط” الملتهب.
صالح رئيس الدولة ورئيس الحزب الذي جعل البلاد كلها مؤتمرا؛ نسيجاً ونهجًا ورؤىً وجغرافيا وفي لحظة فارقة في التركيبة اليمنية القائمة على ثالوث القبيلة والدين ورأس المال إضافة إلى الحزبية والمناطقية.
فالجميع كان مؤتمريًا وإن لم يعلن ذلك والبلاد كانت قد امتثلت للتنمية وروح الأخوة وبصلابة أضحت مثل حصان جامح يقف في مواجهة كل التحديات.
الحديث طويل عن بنية الحزب وكيف تحكم بمسار الأحداث من حيث الخطاب المتزن سواء الموجه للداخل أو للخارج باستثناء القضية الفلسطينية التي ظلت لوحدها مبدأ لا تحكمه القوة مهما بلغت ولا المجاملات ولا حتى الانفتاح الذي تدرج في علاقات الدول مع الكيان الصهيوني.
لقد أبقى الحزب الحاكم حينها على كل خيوط الود والعهود وترسيم الحدود مع الأشقاء والجيران من سلطانة عمان إلى المملكة العربية السعودية وحتى إريتريا التي تقتل الصيادين اليوم وتحاصرهم في لقمة عيشهم.
حاول لم شمل الكيانات الفلسطينية والفصائل الصومالية المتناحرة وطرح الكثير من الدعوات لإيجاد وطن عربي موحد لديه قوة دفاع مشتركة كل ذلك تم بسياسة متزنة وعاقلة، وحدها القضية الفسطينية لم تكن محل مساومة أو مطروحا فيها أنصاف الحلول أو ما شابه ذلك من مسارات ستدفع بالجميع إلى التفريط في حق تاريخي سينعكس سلبا على كافة المستويات.
اليوم يجب البوح أن ممكنات العودة إلى ذلك العمل الحزبي في اطره القائمة على بنود “الميثاق الوطني” ودستور الجمهورية 1990 العمل الذي جسد ببساطة وألفة توجهات المواطن ونواياه تجاه السلام والتنمية والمعرفة وإن كان هناك بطء في ذلك الحراك الذي لم يتوقف يوما مع كل ما صاحب تلك التراكمات من فواصل وضجيج.
كانت العملية الديمقراطية محل شبهة وتندر لدى أحزاب المعارضة التي ظلت تقلل من حجمها وتخوضها في الوقت ذاته حتى حين اجترحت “اللقاء المشترك” لإسقاط المؤتمر كخصم سياسي عنيد بعد تقارب اليسار واليمين في صورة ظلت مشبوهة وكانت الساحة مهيأة لمزيد من التنافس إلى أن جاء الربيع المشؤوم وتقافزت القيادات التي أفسدت محصول سنوات من البناء والتراكم وحصدنا بعدها سقوط الدولة وحضور المليشيا.
صحيح أن هناك أخطاء كثيرة صاحبت عمل الحزب الحاكم نتيجة لحسابات مختلفة قابلها ارتباك في التعاطي مع المستقبل بحذر من جميع الأطراف سواء تلك التي كانت ظلا للحزب الحاكم أو المتربصة بالحكم للعودة إلى الإمامة أو الفاعلة في المشهد السياسي في عدم إعمال العقل والضمير. والتسليم لأفكار سلفية وعدم المبالاة بالمآلات حتى لو أدت إلى ضياع البلد.
ناهيك عن مساعي الدول الكبرى ومصالحها في الشرق الأوسط وصراع الأخوة الأشقاء كان عاملا مهما من عوامل سقوط الكثير من الأنظمة ليصبح البديل هذه الفوضى.
المرحلة ليست مرحلة محاكمة في الحالة اليمنية بقدر ما هي دعوة للتقارب وإعادة النظر في كافة المجريات حتى لا تسوء الخاتمة أكثر مما هي عليه الآن وتصبح المنطقة المحيطة كلها بؤرة لصراعات مذهبية قد تقضي على التنمية والطفرة الموجودة.
التحية لكل قواعد الحزب الصامدين على مبادئهم شبابا وكبارا رجالا ونساء الذين يعانون الفقر والإقصاء والحرمان والقمع والتهجير والاعتقال وجبروت المليشيا.. التحية لبلاد وشعب كان ولا يزال بالفطرة مؤتمرا