الولايات المتحدة بصدد فقدان نفوذها، ليس فقط بسبب النفط، بل بسبب الغاز أيضا. فبعد سنوات من العقوبات والتهديدات، اضطرت واشنطن إلى إعطاء الضوء الأخضر لـ"مشروع نورد ستريم 2″.
في عهد ترامب، كانت الولايات المتحدة تنتج أكثر من 13 مليون برميل من النفط يوميا، في حين انخفض الإنتاج إلى 11.3 مليون برميل في الوقت الراهن .
لطالما رغبت الولايات المتحدة في الهيمنة على سوق الطاقة العالمية، لكنها بدأت تفقد نفوذها على أسواق السلع الأساسية، كيف؟
في تقرير نشرته صحيفة "فزغلياد" الروسية، تقول الكاتبة أولغا ساموفالوفا إن النداء الأخير الذي وجهته الحكومة الأميركية لتحالف أوبك وروسيا -"أوبك بلس" (+opec)- بضرورة رفع معدلات إنتاج النفط وخفض الأسعار، دليل واضح على فقدان الولايات المتحدة سلطتها على سوق النفط العالمي.
وبحسب الكاتبة، فإن الاقتصاد العالمي بدأ في الفترة الماضية يستعيد عافيته في ظل تخفيف إجراءات الإغلاق في مختلف أنحاء العالم، وهو ما أثر على أسعار النفط، حيث ناهز سعر البرميل الواحد حوالي 70 دولارا، متجاوزا بذلك أسعار 2019 قبل انتشار فيروس كورونا.
لكن لماذا أرادت الولايات المتحدة في وقت سابق رفع الأسعار، وبات الأمر يزعجها حاليا لدرجة أنها لم تتردد في توجيه نداء إلى كبار المنتجين من أجل رفع معدلات الإنتاج؟
أزمة الإنتاج في الولايات المتحدة
في العام الماضي، شهدت أسعار النفط انهيارا كبيرا بسبب الحجر الصحي المفروض في مختلف أنحاء العالم، مما أثر على إنتاج النفط الصخري والغاز في الولايات المتحدة، حيث تراوح سعر برميل النفط بين 40 و50 دولارا، وأصبحت تكلفة استخراج المواد الخام أعلى من العائدات.
وتنقل الكاتبة عن الخبير الإستراتيجي في شركة إيكسانتي (Exante) للاستثمارات جانيس كيفكوليس، قوله في هذا الشأن "في العام الماضي، كان لا بد من رفع أسعار النفط بشكل عاجل لإنقاذ المنتجين الأميركيين، خاصة منتجي النفط الصخري المثقلين بالديون".
وقد ساعد رفع أسعار النفط شركات النفط الصخري الأميركية على رفع معدلات الإنتاج، لكن ذلك كان يحول دون تعافي الاقتصاد الأميركي وخفض معدلات التضخم.
ويرى الخبير كيفكوليس أن ارتفاع أسعار النفط ساهم بشكل كبير في رفع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، لأن سعر البنزين في الولايات المتحدة يرتبط مباشرة بأسعار النفط.
وشكّل ارتفاع أسعار النفط مصدر قلق للاحتياطي الفدرالي الأميركي والمؤسسات المالية بشكل عام، حيث بلغ التضخم في الولايات المتحدة المستوى المسجل في أغسطس/آب 2008 خلال أزمة الرهن العقاري.
ويتابع كيفكوليس "من الناحية النظرية، يجب على بنك الاحتياطي الفدرالي الاستجابة للتضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة، غير أن هذه الخطوة من شأنها أن تسبب موجات بيع في سوق الأسهم، وهو ما لا تريده السلطات ولا المستثمرون".
تغيّر السياسة الأميركية
وتذكر الكاتبة أن دول "أوبك بلس" لم تستجب لطلب الولايات المتحدة. ويقول الخبير فاسيلي تانوركوف "تحتاج العديد من دول أوبك إلى رفع الأسعار لتحقيق التوازن في ميزانياتها، ولا سيما بالنظر إلى عمليات خفض الإنتاج بموجب اتفاق أوبك بلس. على سبيل المثال، عادة ما تضع السعودية ميزانيتها على اعتبار أن السعر الأدنى لبرميل النفط ينبغي أن يكون عند 80 دولارًا".
وخلال فترة رئاسته، دعم دونالد ترامب شركات النفط والغاز من خلال القروض الميسرة، محاولا عدم الإضرار بالمستهلك الأميركي في الوقت ذاته. لكن مع وصول بايدن والديمقراطيين إلى السلطة، تغيرت السياسة الأميركية وأصبح التوجه واضحا نحو مصادر الطاقة البديلة مثل الشمس والرياح والمياه.
ويقول ألكسندر كوبتسيكيفيتش المحلل المالي لدى وسيط العملات "إف إكس برو" (FXpro)، في هذا السياق "يمكن ملاحظة ذلك بوضوح من خلال ركود مستوى إنتاج النفط في الولايات المتحدة من أغسطس/آب من العام الماضي إلى يوليو/تموز من العام الجاري، على الرغم من زيادة الاستهلاك لعدة أشهر وتراجع المخزونات".
وتقول الكاتبة: "في عهد ترامب، كانت الولايات المتحدة تنتج أكثر من 13 مليون برميل من النفط يوميا، في حين انخفض الإنتاج إلى 11.3 مليون برميل في الوقت الراهن".
ويعود الخبير تانوركوف ليوضح أسباب هذا الانخفاض، قائلا "تم تشديد الإجراءات في عهد الرئيس الجديد بشكل واضح، خاصة فيما يتعلق بمنح التراخيص لإنشاء مناطق استخراج جديدة. نتيجة لذلك، أصبحت السياسات الاستثمارية للشركات أكثر حذرا، مما قلص نمو حقول الاستخراج مقارنة بأسعار النفط".
وأضاف: "يرجع ذلك جزئيًا إلى حالة عدم اليقين بشأن مستقبل صناعة النفط بسبب الأهمية المتزايدة للأجندة الخضراء، مع معاناة المنتجين من الخسائر طويلة الأجل".
هل ستنخفض الأسعار؟
وبحسب الكاتبة، فإن الولايات المتحدة بصدد فقدان نفوذها، ليس فقط بسبب النفط، ولكن أيضا بسبب الغاز. فبعد سنوات من العقوبات والتهديدات، اضطرت واشنطن إلى إعطاء الضوء الأخضر لـ"مشروع نورد ستريم 2″ (Nord Stream 2)، وهو مشروع أنبوب لنقل الغاز الطبيعي من بحر البلطيق من أكبر خزان لاحتياطات الغاز في العالم في روسيا، إلى ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية.
وكانت الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد خط الأنابيب الروسي ستؤدي إلى قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، لذلك استسلم بايدن وأجهض الفكرة الأميركية لنقل الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بواسطة الناقلات.
مع ذلك، يرى الخبراء أن الوضع في السوق العالمي يصب في صالح بايدن، حيث يُستبعد تسجيل ارتفاع إضافي في أسعار النفط خلال الفترة القادمة.
ويقول كوبتسيكيفيتش في هذا السياق "بحسب رأيي، فإنه بحلول نهاية العام سنتمكن من رؤية أسعار النفط في حدود 55 دولارًا لبرميل برنت. لكن من الصعب الحديث عن أسعار أقل من 50 أو 40 دولارًا. علاوة على ذلك، فإن إجراءات نظام الاحتياطي الفدرالي ستدفع الأسعار نحو الانخفاض".
من جانبه، يعتقد تانوركوف أن أسعار النفط ستظل في حدود 60 و70 دولارا حتى نهاية هذا العام، ولا يمكن تسجيل انخفاض أقل من 60 دولارا إلا في حالة إعلان حجر صحي جديد واسع النطاق بسبب فيروس كورونا، وهو أمر مستبعد.