عبد الجبار السبئي يكتب..تأثير حكومات "الخارج" على اليمن وكيفية التعامل معها

الأخبار I منوعات

 

 

                              إننا نعتقد بأنّ كلمة "الخارج" مستعملة، بشكل قياسيّ، في داخل اليمن، لفرط ما عانى شعبه على الدوام من غزوات الطامعين من كلّ الجهات، ولفرط ما رَزَحَ تحت نير الإحتلالات المتتالية لأرضه ولإرادته على مدى قرون. ومنذ أن أُعطِيَ الشعبُ اليمني إستقلالَه، حتى الساعة، قوِيَ وزاد استعمال هذه الكلمة، لشدة ما استأنس اليمانيون، في بداية استقلالهم، ب"الخارج" الأوروبّي "الصديق"،والعربي "الشقيق" ولفرط ما استوردوا، وما يزالون يستوردون، تقريبا، كل شيء، من "الخارج"، ولأنّ عيونهم دائما شاخصة إلى "الخارج" كالإقليمي عمال وعمالة، والدولي خاصة العالم الغربيّ، أي أوروبا واميركا الشمالية، للإقتباس النّهِم من حضارته المادية الحديثة، وللهجرة إلى هناك من أجل حياة أفضل.

 

                                إنها كلمة تجري على كلِّ شَفَةٍ ولسان، كل يوم، وبكثرة، في الحديث بين أبناء الشعب عن أنواع ونوعية الأكل والشرب والكحول واللباس، والعطور والمساحيق والصابون، وعن السيارات والشاحنات والدراجات وأحجامها وسرعتها، وقطع الغيار وتفاصيل تكوينها وبلد صنعها، وعن الأحجار الكريمة، وعن مواد البناء، وعن الكومبيوترات والهواتف الخليوية والتلفزيونات، وعن السفر والسكن والسياحة، وعن الدراسة والتخصّص والثقافة، وعن نوعية المعيشة ومستوى رقيّها، وعن كل أشياء الحياة اليومية التي لا يحرم اليمنيون المرتاحون ماليا أنفسهم منها، والتي يميّزون فيها دائما بين الشيء ال"أصلي" وما تعنيه الكلمة من جودة ونوعية وسعر عال، والشيء "غير الأصلي" وما تعنيه الكلمة من دونيّة في الجودة والنوعيّة والسعر، بحسب بلد المنشأ في "الخارج".

 

                                  وفي جوّ السياسة، لا يقلّ أبدا إستعمال هذه الكلمة. إنها على فم الإعلاميين والساسة والشعب. لزعماء السياسة والمال اليمنيين صداقات متنوعة خاصة مع مسؤولي حكومات الدول الغنية والقوية. وهم دائما يسافرون لمقابلة أصدقائهم هؤلاء بصفتهم الشخصية، دون أن يكلِّفهم أحد في الحكم اليمني بذلك، ويتحدّثون في العلن عن قضايا الوطن والشعب، وفي السرّ عن قضاياهم الخاصة وأهمّها تمويل "الخارج" لهم من أجل تنفيذ سياسته في "الداخل" اليمني. هم، معظم الوقت، في "الخارج"، ثم يعودون إلى قصورهم وقلاعهم بالداخل وحول العالم دون التكلم مع أحد في الحكم عن نتيجة زياراتهم، ولا يقدّمون أي تقرير عنها للمسؤولين اليمنيين، أي للرؤساء الثلاثة. وأما الرؤساء، فإنهم لم يعبّروا يوما عن اعتراضهم على هذا الوضع الشاذّ أو استيائهم منه، وكأنه لا يشكل أية مشكلة بالنسبة لهم شخصيا، وخاصة بالنسبة لهيبة الحكم في عين الشعب أو "الخارج".

 

                              في اليمن، ليست خافية على أحد من أبناء الشعب مسألة إرتباطات المصالح الشخصية المالية والسياسية للساسة وقيادات الأحزاب ب"الخارج"، خارج "إقليمي" أم خارج "دولي". الأموال التي ينفقها الساسة في حملاتهم التحشيدية ،والعقائدية ، والتجيشية على سبيل المثال لا الحصر، يعرف الجميع قيمة المبلغ، ومن أية دولة في "الخارج" أتى المال، وكم وزّع الساسة منه على حطبهم من الازلام القطيع ، وكم خبأوا في جيوبهم. والشعب يعي تمام الوعي بأنه، مع مرور الأيام، هو يزيد فقرا، وتعاسة، بينما الساسة يزيدون غنى وسعادة. واليمنييون يعرفون مدى تدخل "الخارج" السافر في الكبيرة والصغيرة عندنا، ويتهكّمون أحيانا على هذا التدخل بأنه يكاد يشمل حتى تعيين مدير او شرطيّ ، وليس فقط التعيينات الكبيرة في الدولة كالسفراء وأعوانهم . إنها "جدلية" سياسية غريبة من نوعها، لا يستفيد منها الشعب (أي الوطن) بشيء، لا بل تؤذيه في وحدته وازدهاره. الساسة هم وحدهم المستفيدون منها، ماليا ومعنويا.

 

                             إن اليمن هو البلد الوحيد الذي يتداول فيه الناس والإعلاميون كلمات وتعابير مثل "الضوء الأخضر" أي الإذن المعطى من "الخارج"، و"كلمة السر"، وخط أحمر ،و"السنه الأخير للصراع"، أي حين ينتظر الجميع بقلق شديد، قرارا بوقف الحرب، وبانتخاب رئيس للجمهورية، مثلا، ويتصنّعون أنهم قد تَفاجَأوا ب"قرار" يأتي من الخارج، ثم يصفِّق النوابُ والشعبُ والرئيسُ المُنْتَخَبُ لهذا القرار بحماس كبير، وكأنه "صناعة يمنية"، وتبدأ حفلات التهاني وأعراس الإبتهاج بالنصر العظيم.

 

                              واليمن هو البلد الوحيد الذي نسمع فيه، ليس فقط الشعب والإعلاميين، بل حتى الساسة أنفسهم المتورّطين مع "الخارج"، أجل، نسمعهم يتحدثون ببساطة، وطلاقة، وطَبَعِيَّة، وحرية، عن "عواصم القرار"، ويقولون، علنا، وبلا أي حرج، ومع تصنّع الأسف وهزّ الرأس وحسرة الشهيق والزفير، في كل استحقاق شعبي أو حكومي، وبنوع خاص جدا، في كل استحقاق لإنتخاب رئيس للحكومة ناهيك عن رئيس للجمهورية المنسية : "القرار ليس بيدنا"، "القرار إقليمي"، "القرار دولي".

 

                              إن علاقة قيادات الأحزاب والساسة اليمنيين ب"الخارج" عمرها مئات السنين، وما زالت مستمرّة حتى الآن. الإستقلال، مثلا، أعطِيَ من الخارج، ولم يؤخذ أخذا منه بثورة دموية، رغم حصول بعض المظاهرات والمناوشات والتحدّيات بين بعض المواطنين والإنتداب البريطاني في جنوب الوطن، ورغم سجن بعض الزعماء، مؤقتا، في سجون السلطنات والمحميات والممالك والدويلات هنا وهناك . وشيدت مدن وقصور ونهضة كبيرة في مختلف الاتجاهات ،ورحلت لكنها حافظت بريطانيا، بعد ذلك، على علاقات ثقافية وسياسية واقتصادية جيدة مع اليمنيين، وكانت تلعب دور "الأم الحنون" لليمن وما زالت ترعى وتدعي ذلك 

 

                                    إن انتخاب رئيس للجمهورية، مثلا، ومستقبلا، كما هو معلوم، قد لا يتمّ أبدا بسهولة وبإرادة الشعب اليمني مُمَثَّلا بنوابه. إنه متعلق بقرار من "الخارج"، مدعوم برشوة المال وعقد التسويات والصفقات بين ساسة وزعماء "الداخل" بإشراف حكومات وممالك "الخارج" الوصية الدائمة على اليمن ، كما دَرَجَتْ العادة مع انتخاب كل رؤساء الجمهورية منذ الإستقلال حتى اليوم. هذا اقتناع الجميع، حتى الذين ينكرون هذا الواقع لإرضاء غرورهم وإرضاء "الخارج" الذي ينكر، هو بدوره، خبثا ورياء، دوره في تعطيل الحياة السياسية في اليمن، وفي حضوره الدائم في كل نشاطات الحكم.

 

                                 إن بعض نخب الشعب الواعين، خاصة الإعلاميين (المنسيين) والساسة الصادقين القلائل، الذين لا يعمي حبّ الزعيم والمال أبصارهم وبصائرهم عن رؤية الحقيقة، ولا يمنعهم من انتقاده حين يخطىء، يستطيعون أن يروا بوضوح أصابع بعض دول "الخارج" المعروفة، في نشاطات الحكم وتسوياته، وفي استمراره أو عدمه، وكلها أشياء (نود أن نذكر بعضها هنا)، تبدو عادية جدا لمراقبين آخرين: 

 

               -تعطيل دور الحكومة ورئيسها، ودور مجلس الشعب ورئيسه، كلما دعت لذلك مصلحة بعض القادة ، ومصلحة أولياء أمرهم في "الخارج".

 

                              -في نظام المحاصصة بين الأحزاب ، حتى حصص الأحزاب من نواب وحقائب ووزراء سابقاً، ولاحقا هي حصص ل"الخارج"، يتمّ "التشاور" حولها معه، وطلب دعمه ورضاه.

 

                             -تشجيع سياسة التمديد للمجلس التشريعي مرّتين إلى ثلاث وعلى التوالي (التي ناسبت ووحّدَتْ وأفرحت جميع النواب) ولبعض المراكز الحساسة في الدولة، بحجّة الظروف الخطيرة، القاهرة.

 

                            -رفض البحث بأي قانون إنتخابي جديد، عادل، نهائيّ، يُضعِفُ حتما سطوة "الخارج"، ويضعف سطوة بعض قيادات الداخل، قانون لا يُفرَضُ فرضا مُغْرِضا، خبيثا، قاهرا، على الشعب اليمني، بحسب منطق مُبالَغٍ فيه وغير دقيق، وهو أنه يؤمّن التمثيل الصحيح لكلّ اليمنيين بكل توجهاتهم ونزعاتهم السياسية، وأنه ينبغي أن يخضع للتجربة، أولا، لكشف الثغرات (ثغرات مُتَوَقَّعَة ومقصودة من "طابخي" القانون) وإجراء التحسينات اللازمة عليه فيما بعد.

 

               -عدم تسليح الجيش كما ينبغي تسليحه بالكامل، وزجّه في معارك التحكم والسيطرة الحديدية الحقيقية على حدود الوطن وفي داخله، والإدعاء، في الوقت عينه، بأن "الخارج" حريص جدا على سلامة اليمن وتحييد جيشه عن الصراعات الدائرة حوله كما يتوارث المصطلح ، وعلى تسليحه للجيش.

 

                              -عدم محاكمة المسؤولين (المحميين والمدعومين من "الخارج" ومن رؤساء احزابهم)، عن استلام هبات ،وإستدانة المال من الخارج وهدره بألف طريقة وطريقة إلا من أجل مشاريع للشعب، وإغراق الشعب بالديون، وإرهاقه بالضرائب والرسوم، وإفراغ خزينة الدولة، وبناء الثروات الهائلة، والمثبتة عليهم التهمة.

 

                            -عدم عمل أي شيء للتخلص من النفايات والتلوّث البيئي، ولتأمين المياه والكهرباء، ولفضح الصفقات المشبوهة ومنعها، ولعدم تسييس القضاء، ولوقف الهدر والفساد في مؤسسات الدولة، وغلاء المعيشة وتدني الأجور، وللحدّ من تفاقم نسبة البطالة والجريمة والفوضى، والهجرة إلى بلاد الله الواسعة، لا بل وإلى ديار الله الأبدية، بالزج بهم وبابنائهم إلى محارق الموت أو النزاع البطيء.

 

                            -عدم عمل أي شيء لتصدير الغاز والنفط من بحرنا والبر (لأسباب قد بدأت تنكشف)، ومنع الطامعين من سرقة هذا المورد العظيم، بل يكتفوا بالكلام الحماسيّ فقط، وفي الخفاء، يتمّ نسج وتمرير اتفاقات وصفقات سرية بين بعض ساسة الداخل وبعض حكومات "الخارج" التي لها الكلمة الفصل في ترسيم السياسة الداخلية الاقتصادية والجغرافية،وغيرها من السياسات ، والتي تحدد الأولويات فأكثرهم فسادا أكبرهم تركة 

 

                              -محاولة الدول والأمم المتحدة فرض سياسة مصالحها على حساب مصلحة الشعب اليمني

                              أجل، كل شيء، تقريبا، رهن بمشيئة "الخارج"، لإبقاء الشعب اليمني ضعيفا ومشلولا وميتا. وتتأرجح حال الساسة والقادة اليمنيين بين متواطئين، علنا، مع "الخارج" (وهم كثرة)، أو سرا (إلى أن يفضحهم الإعلام الغربي أو المحلّي)، وجميعهم أغنياء (أو على طريق نعيم الغِنى)، أصحّاء، سعداء، مُكَرَّمين، وبين قلّة قليلة من الصّادقين، المتواضعين، الأقوياء بالحق، الذين لا قدرة لهم على تغيير الأوضاع السيئة.

 

                              إذاً، حين نتحدّثُ عن شيء إسمه "الخارج"، نتحدث عن واقع ملموس، لا عن أشباح أو أوهام. نتحدث عن كيانات بشرية ذكيّة جدا، منظّمة، معروفة، متموّلة، مستقوية، متكبرة، متسلطة، تخطِّطُ بدقّة فائقة للسيطرة على الكرة الأرضية بكاملها، بالقوة العسكرية ضدّ من يقاومها، و/أو برشوة وإغراءات المال لمن يضعف أمامها ويتعاون معها. إنه لا يمكن لوطن محل أطماع ، ضعيف، منقسم على ذاته، مثل اليمن، أن يقاوم هذا "الخارج" القويّ.

 

                              ما يحيّرنا في هذا المجال، هو كيف أنّ بعض الساسة اليمنيين المُغرَمين بمال "الخارج" وبسياسته حتى لو أضرّت هذه السياسة بشعب وطنهم معنويا وماديا، يرفضون أن يغيّروا مسلكهم التقليدي الوراثي، والمُكتَسَب بالممارسة المُتقنة، لا بل نراهم يدرِّبون ويُهَيِّئون أبناءهم أو أقاربهم على سلوك الدرب عينه، ويصطحبونهم، علنا، في سفراتهم إلى الخارج، للتعرف على ساسة دول هذا "الخارج"، من أجل تأمين استمرارية مستقبل "زاهر" لهم وحدهم ولذرِّيتهم من بعدهم، لا للشعب اليمني.

 

                              ووراء هذا الواقع الملموس، واقع دول "الخارج" المستبِدّة بمصير الشعوب، ثمة واقع آخر في الخفاء، هو مجموعة بشر قليل عددهم، يتحكّمون بقرارات ومصير الذين يتحكّمون، فقط ظاهريا، بقرارات الشعوب ومصيرها. إسم هؤلاء "القوة الخفية". إنهم منظمة سرّية لها عدة أسماء: "المتنوّرون"، "الماسونيون"، "الصهيونيون"، التلموديون"، وما يجمع بينهم هو الدّين اليهودي، والثبات العجيب في شهوة امتلاك المال والمصارف ومناجم الماس والذهب، ومنابع المياه العذبة، وآبار النفط والغاز، ومعامل السلاح، والشركات الكبرى على أنواعها، والأسواق والبورصات، ووسائل الإعلام، وفلسفة واحدة ثابتة وهي أنهم شعب ذكيّ متفوّق، بإرادة الله، على سائر الشعوب، وهدف واحد وهو السيطرة على الشعوب بالقوة واستعبادها من خلال السيطرة على الحكومات والرؤساء والجيوش، بحسب مشيئة الله دائما، إلَهُهُم الخاص بهم وحدهم (يتقنعون به، وهم في حقيقتهم، ملحدون، وعبدة الشيطان)، واسمه: "يهوه".

 

                                   إن "القوة الخفية" هي قوة شريرة في حقيقتها، وقديمة جدا في التاريخ، تسعى، بهمّة عجيبة ودون كلل أو ملل، لإضعاف الشعوب، بخلق الفتن والحروب والفساد الأخلاقي والأمراض، من أجل السيطرة عليها واستعبادها. وهي قد بَلَغَتْ ذروة نشاطها ونجاحها بعد الحرب العالمية الثانية حتى الساعة، وثمة وثائق تثبت أنها كانت هي وراء إشعالها وإشعال الحرب العالمية الأولى، وحروب أهلية وثورات شعبية في التاريخ (الثورة الفرنسية 1789-1799، والحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية 1861-1865، والثورة الشيوعية البولشفية في روسيا 1917). هذه "القوة الخفية" (بقيادة عائلة روتشيلد الفرنسية، قيادة متوارَثَة أبا عن جدّ) هي من خلقت الدولة التلمودية، الصهيونية، اليهودية، العنصرية، في أرض فلسطين، وسمّتها "إسرائيل"، لا لاستعادة أرضهم (كما صرّحوا هم أنفسهم بذلك)، أي أرض الميعاد، وإحياء تاريخهم "المقدس"، كما أوهموا الشعب اليهودي واستغلوا معتقداته الدينية وخدعوه وضحّوا به لتحقيق أهدافهم، إنما لتكون نقطة انطلاق للسيطرة على منطقة الشرق العربي والإسلامي، ومن بعدها على الشرق الأقصى، والعالم. وهي، اي "القوة الخفية"، تحاول باستمرار، منذ نشأتها، تدمير وإضعاف وترويض الدول العربية المحيطة بالكيان العنصري، بهدف السيطرة عليها واستغلال ثرواتها الطبيعية كما يحدث اليوم بواسطة إرهابيين تكفيريين، لإراحة هذا الكيان العنصري وتقويته وازدهاره. وهي، بكل مشتقاتها، في النهاية، ضدّ مبادىء أو فضائل المحبة والرحمة والتواضع، وضدّ شخص المسيح بالذات، مُجَسِّدِ هذه الفضائل، الذي تحاول دائما إستغلال أية فرصة لإحتقاره في أفلام هوليوود وفي منشوراتها وإعلامها والأغاني والرقصات والموسيقى الشيطانية، وفيما يُسَمّى ب"القداس الأسود" المكرّس لعبادة الشيطان وتقديم الذبائح البشرية له. وهي أحيانا تحقق بعض النجاح في محاولاتها الدائمة لاختراق كرادلة الفاتيكان وباباواته، وكل المراكز الدينية، بطرق خفية، خبيثة.

 

                              وأما الجريمة الأفظع من ذلك كله، والصعب تصديقها، غير أنها صحيحة وموثقة ومثبتة، إنما هي إدارتهم (بالإضافة إلى تجارة المخدرات والدعارة لإفساد أخلاق الشعوب) لتجارة خطف الأطفال بأعداد هائلة (خاصة في الولايات المتحدة الأميريكية حيث ممنوع التحقيق في الموضوع) ليتغذّوا بدمائهم، لا بالمعنى المجازيّ للتعبير، بل الفعليّ، بعد توتيرهم وإقلاقهم عبر طقوس شيطانية مرعبة، إذْ إنهم، أي جماعات "القوة الخفية"، يعتقدون أنه، بهذه الطريقة، يصبح لدم الأطفال فعل أقوى للإبقاء على حيويتهم ونشاطهم وصحتهم، وللإطالة بأعمارهم.

 

                                "القوة الخفية" قوة شريرة مخيفة، بكل معنى الكلمة، تضمّ الرؤوس التي تخطّط في الخفاء، وتأمر، من وراء الكواليس، أذنابَها رؤساء الدول والحكومات والجيوش، بالتنفيذ. ومن يخالفُ أوامر هذه الرؤوس يلقى عقابه بخلق فضائح له في إعلامهم وتشويه سمعته، وتنحيته، وقتل مستقبله السياسيّ، أو باغتياله جسديا، أو بشنّ حرب على بلاده.

 

                              ما يُسَمَّى ب"عواصم القرار" في العالم، إنما هي عواصم تأتمر بقرارات رؤوس "القوة الخفية". نحن إذاً، أمام مسرح عالمي كبير لأذناب محلّية وإقليمية وعالمية، تتحرك بغطرسة الطواويس وكبرياء الديوك، ظنّا منها بأنها رؤوس كبيرة ومهمّة جدا، وهي، في الحقيقة (أَوَعَتْ ذلك أم لا)، ليست إلا دُمىً تموّلها وتغذّيها وتحرّكها كيفما تشاء "القوة الخفية"، من وراء عتمة الكواليس ومن أعماق ظلمات دهاليز الشرّ.

 

                              هذه الحقائق الصادمة، المؤلمة، ليست تخمينات أو شكوك من نسج الوهم والخيال. إنها مكتوبة بيد أفراد من زعماء "القوة الخفية" في لحظة كبرياء وافتخار ب"إنجازاتهم" في التاريخ، وأيضا بيد أناس تركوا وسط "القوة الخفية"، بعد أن عرفوها من الداخل على حقيقتها الشريرة، وهي موجودة اليوم في الكتب بعدة لغات، وفي مواقع الكترونية قليلة (تختفي فجأة احيانا)، روادُها قليلون، إذْ إن الباحثين عن الحقيقة قليلون، وقليلون جدا من يقرأون ويفهمون ويتقبّلون ما يقرأون بصفاء ذهن، ومن ثمّ يقرِّرون، إن قرّروا، البدء بمقاومة هذه القوى الشريرة، بتوعية الناس على حقيقتها. وأما الإعلام العالمي والإقليمي والمحلّي، فهو يتجنب الخوض فيها، إما عن تجاهل أو تواطؤ، أو عن جهل، أو عن خوف، حفاظا على وجوده واستمراريته.

 

                              أين نقف، في اليمن، من هذا "الخارج" الخفيّ القويّ جدا، الذي لا يتحدث أحد عنه من الساسة والإعلاميّين ورجال الدين، وهو يحرّك "الخارج" الظاهر، الإقليميّ والعالميّ، والذي يرتمي بعض ساستنا (المصابين بعقدة العظمة والقوة والإثراء وربما أيضا فقدان العاطفة)، عن وعي أو عن غباء، في أحضانه؟ 

 

                              على اليمنيين المؤمنين بإله الخير والمحبة، الأتقياء، الشجعان، الأوفياء، الصادقين، المخلِصين لوطنهم اليمن، والذين يسعون إلى بناء اليمن الإتحادي ، أتحاد المحبة والسلام، أن يتابعوا مسعاهم هذا دون يأس، ولو عاكس مشروعَهم النبيلَ هذا قسمٌ من اليمنيين الهائمين بغرام "الخارج"، والسُكارى بروائح أمواله وعطوره، وبسياسته الواضحة ضدّ مشروع بناء اليمن الإتحادي، وطن الحضارة والتاريخ 

 

                              وعليهم أيضا أن يتابعوا مسعاهم في التوعية الشعبية على حقيقة كلّ الأخطار المُحْدِقة بوطنهم، وأهمها خطر الجوار ، وعلى حقيقة الهويّة اليمنية الإنسانية الأصيلة، المُهدَّدَة دائما بالإنقراض، والتي تتخطّى كلَّ القوميّات والمذاهب والأعراق والسلالات، من أجل خلق يمن أتحادي موحّد، قويّ، حرّ، مستقلّ.

 

                              وعليهم، بنوع خاص، ألا يقطعوا الأمل أبدا من محاولة إقناع الفريق الآخر الضالّ، العنيد، المُكَبّل بأصفاد "الخارج" الذهبيّة، بمنطق العقل والقلب، بالعودة إلى حظيرة الوطن، وترك عشرة الذئاب الكاسرة في أدغال العالم، من أجل بناء يمن الإتحاد، وطن الجميع، معا. هذا هو الرجاء الصالح المتبقّي للّيمنيين ذوي الإرادة الحسنة.

 

                              بقوة الروح الحكيمة، الصبورة، المُحِبّة، الفَرِحَة، بهذه القوة وحدها، التي تعرف كيف ومتى تلين وتميل، مثل القصَبة، مع رياح الشرّ، دون أن تنكسر، يتحقّق الإنتصار على قوى الشرّ العاتية، المسيطرة، الظاهرة منها والخفيّة. إنه إنتصار حتميّ لمن يصبرُ الصبرَ الجميل إلى المنتهى، في خضمّ جهاد النفس المقدس الأكبر ضدّ الذات أولا، ثم ضدّ الأشرار وتجاربهم الخبيثة. بناء جيش قوي للدفاع عن الوطن ومقاومة قوى الشر، جزء أساسي من هذا الجهاد الروحي.

 

                              إن مشروع الخير، مشروع الوطن الاتحادي ، اليمن ، يتطلب وجود أناس متفوِّقين بروحهم وإيمانهم وتقواهم، وعقلهم، وإرادتهم، وشجاعتهم، وإخلاصهم، وصدقهم، ليتمكنوا من مجابهة مشاريع الشرّ الكثيرة في العالم، وحماية الوطن اليمني الكبير، الضعيف، وتسريع تحقيق مشروعهم. إنّ تحقيقَ وطن الإتحاد والمحبّة والسلام في أرض المال والطمع والحقد والعنف والخوف، بحاجة إلى مواطنين أقوياء كثر، ثابتين بالحق، لتحقيقه، دون إطالة أو تأجيل إلى الأبد.

 

                              غير أن بداية تحرّر الشعب من الساسة الفاسدين الذين يسرقون ماله ووحدته وسعادته، ويخونونه مع حكومات الخارج الفاسدة الشريرة التي تمارس سياسة العهر والفجور مع الشعوب الآمنة المسالمة، من أجل إرضاء أسيادها أبالسة "القوة الخفية"، أجل، إن بداية التحرّر تكون بعدم انتخاب الفاسدين أنفسهم في أي جولة إنتخابية جديدة . إنّ خطوة التحرّر الأولى هذه، تحتاج إلى وعي وكرامة وعنفوان وقرار جريء من قبل الشعب، تليها خطوات أخرى في المراقبة والمحاسبة العلنية، في الإعلام والتظاهر والإعتصام في الشارع، وفي تنقية جديدة للجسم السياسي في صندوق الإقتراع من جديد، لتصحيح مسارّ الساسة المعرّض، باستمرار، للشطط، ولتحسين حياته، أي حياة الشعب، بأسرع وقت ممكن.

 

                              إنّ كل يمنيّ هو مشروع إنسان كامل، حرّ. إنّ كل يمنيّ مدعوّ إلى تحقيق الكمال في نفسه أولا، لتحقيق وطن الاتحادية. لا طريق آخر للتحرّر والخلاص من قسوة تاريخ يُكَرِّرُ إعادة نفسه، من جيل إلى جيل، بكل تفاهاته وسخافاته وبشاعاته ومآسيه ودمائه ودموعه، وكأنها لعنة أبديّة حلّت بهذا الشعب المعذّب الذي يجذبُ إليه كل أنواع الشرور، بسبب معظم ساسته السيّئين، الفاشلين في مجال خدمته، ذوي النفوس المريضة، ألعديمي الروح والأخلاق والرؤيا، عابدي المال والقوة والعظمة، الذين لا يروق لهم إلا استضافة أشرار "الخارج" في قلبهم، وفي عقلهم، وفي بيتهم، وفي وطنهم، ولا يروق لهم إلا خلق الفرقة والحزن والتعاسة والبؤس والذلّ والضعف للشعب اليمنيّ، والذين لا يحاسبهم ضميرهم، ولا الشعب الذي ينتخبهم، على أي شيء سيّء يفعلونه. إن الشعب اليمني، بمعظمه، يكتفي بالتذمّر والشكوى والندب والصلاة، ولا يحاسب ولا يلوم نفسه أبدا على تقصيره في انتقاد ومحاسبة قادة وساسة أحزابه الفاسدين الفاشلين، وعلى تبعيته العمياء لهم حتى العبادة، واستعداده لمعاقبة من ينتقدهم، وللموت من أجل ديمومة عزهم هم وحدهم مع عيالهم وحاشيتهم، لا من أجل ديمومة عزّ الوطن.

 

                                 إن قرار التحرّر من فاسدي الداخل والخارج معا، بضربة حجر واحد، عمل متواصل واع، لا يتمّ إلا في صندوق الإقتراع، في كل جولة قادمة بأذن الله. إنه قرار صعب جدا، يحتاج إلى صبر جميل، وإلى عدّة مراحل إنتخابية، وإعادة ضرب الحجر عينه، ولكنّه قرارٌ لا بدّ منه، عاجلا أم آجلا. فهل يبدأ الشعب اليمني يتعلّم التصويب الجيد، هو وأجياله الطالعة، نحو هدفه، فيتخذ هذا القرار، ويصيب الهدف؟ إنها فرصته الوحيدة والأخيرة، لإبقاء "الخارج" بكل أدرانه في الخارج، وتنقية "الداخل" اليمني من أدرانه، وإبقائه في الداخل.