تحاول إسرائيل عرقلة سفر أعضاء من طائفة يهودية متطرفة، تناهض الصهيونية، إلى إيران، حسب ما أفادت تقارير إخبارية إسرائيلية، فما هي هذه الطائفة التي أثارت ولاتزال تثير الجدل في إسرائيل والولايات المتحدة؟
ويعيش عدد من طائفة "ليف طاهور" في غواتيمالا منذ العام 2014، وسبق أن أظهرت وثائق طلبهم باللجوء إلى إيران وقسمهم بالولاء للمرشد الأعلى علي خامنئي، وهذا ما يثير مخاوف إسرائيل.
ليف طاهور، وتعني بالعربية "القلب النقي" لها تفسير خاص للديانة اليهودية وممارسات، يقول إسرائيليون إنها غريبة، وتصل أحيانا لأعمال ترتقي للجريمة، وهذا ما جعل الطائفة تواجه متاعب قانونية في كل مكان تستقر فيه منذ التسعينيات.
ويرى محللون إسرائيليون تحدثوا لموقع "الحرة" أن طلب أعضاء من طائفة ليف طاهور (القلب النقي) اللجوء في إيران وسفرهم لطهران بالفعل من شأنه أن يجعل منهم ورقة مساومة حال نشوب أي صراع بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.
والأربعاء، أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية لأول مرة أنها تعمل مع دول أخرى لمنع أعضاء طائفة ليف طاهور من السفر إلى إيران بناء على طلب من أقرباء بعض منتسبي الطائفة، وفق ما ذكر موقع "ياشيفا" المتخصص في الشؤون اليهودية.
شائعات وتغطيات غير عادلة
في مارس 2012 نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا مطولا عن عن الطائفة تحت عنوان "ليف طاهور: نقية كبياض الثلج، أم أنها قلوب من ظلام؟
ينقل كاتب التقرير، شاي فوجيلمان، عن اتباع هذه الطائفة قولهم إن وسائل الإعلام لم تكن عادلة في تغطيتها المتعلقة بهم.
ويرون، وفقا للكاتب، أن مراسلي الصحف العلمانية والدينية على السواء نقلوا شائعات وتصريحات مهينة عن طائفتهم، دون أن يكلفوا أنفسهم بمحاولة اكتشاف الحقيقة.
كذلك ذكر الكاتب أن اتباع طائفة ليف طاهور لا يردون بشكل علني على الاتهامات الموجهة ضدهم، ويحاولون تجنب المقابلات الصحفية والتقاط الصور، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالصحافة الإسرائيلية.
من هي ليف طاهور؟
تأسست طائفة ليف طاهور في القدس على يد الحاخام شلومو هيلبرنز في الثمانينيات. وهي طائفة أرثوذكسية يهودية متطرفة تنتمي إلى جماعة الحريديم المتدينين وتتبع شكلا صارما من الممارسات الدينية.
وبدأ هيلبرنز وهو ينتمي لعائلة علمانية من الأساس في التوبة خلال فترة شبابه، ودرس في مدرسة "إيتاري" الدينية في القدس. وفي منتصف الثمانينيات أسس مدرسة ليف طاهور الدينية في حي بيت إسرائيل بالمدينة.
وبدأ الحاخام هيلبرنز بجمع الأتباع حوله وأدار المدرسة الدينية في طريق حركة "ساتمار الحسيديم" المناهضة للصهيونية وتأسيس الدولة.
في التسعينيات، غادر كثير من أفراد الطائفة البالغ عددهم حوالى 200 فرد إلى الولايات المتحدة، بمن فيهم مؤسسها بعد الممارسات المتطرفة يرى المجتمع الإسرائيلي أنها خارج نطاق الشرع والتقاليد اليهودية وأن حياة أفراد الطائفة غير عادية.
سجن هيلبرنز في الولايات المتحدة بتهمة اختطاف صبي إسرائيلي يبلغ من العمر 13 عاما. أعيد ترحيله بعد الإفراج عنه لإسرائيل ثم انتقل بعد ذلك إلى كندا.
بعد حصوله مع طائفته على حق اللجوء في كندا عام 2003 مدعيا أن السلطات الإسرائيلية تمارس بحقهم الاضطهاد بسبب تعاليم طائفتهم المناهضة للصهيونية، لم يستمر بقاء هيلبرنز - الذي توفي عام 2017 - في كندا وبحث عن ملاذ آخر لطائفته بعد مزاعم إساءة المعاملة مع الأطفال.
وحينها سعت سلطات حماية الطفل في مقاطعة كيبيك الكندية إلى وضع أطفال هذه الطائفة في مراكز رعاية أسر التبني اليهودية. وكانت بالفعل تتخذ خطوات لمنع 127 طفلا من مغادرة كندا.
في 2014، انتقل هيلبرنز ومجموعة أخرى من طائفته إلى ترينداد وتوباغو ثم استقر لاحقا في غواتيمالا، وتحديدا في مدينة سان خوان لا لاغونا السياحية على بحيرة أتيتلان.
في حين رفضت طائفة ليف طاهور إرسال أطفالها إلى المدارس المحلية أو المشاركة في المجتمع المحلي في غواتيمالا مناسباته، لم تحظَ الطائفة في كثير من الأحيان بترحيب من قبل السكان المحليين هناك.
بعد سنوات، سافر بعض أعضاء الطائفة إلى المكسيك فيما بقي آخرون في غواتيمالا، فيما تعرض بعضهم للقبض من قبل السلطات المكسيكية العام 2017 وسلموا للولايات المتحدة لمحاكمتهم بتهم تتعلق بانتهاك حقوق الأطفال والاعتداء والخطف.
تصف وسائل إعلام إسرائيلية، ليف طاهور، بأنها "طالبان اليهودية" في إشارة للحركة الإسلامية التي تحكم أفغانستان والتي تطبق تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية، وتستخدم وسائل الإعلام الإسرائيلية كثيرا هذا المصطلح.
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والصحفي الإسرائيلي، إلحنان ميلر، لموقع قناة "الحرة" إن "هذه الفئة المتشددة تناهض الصهيونية لأن إسرائيل تمنعهم من بعض طقوسهم والعادات الغريبة التي يمارسونها".
وأضاف أنهم "يمارسون أشياء غريبة بما في ذلك تعدد الزوجات غير الموجود في الديانة اليهودية، علاوة على انتهاك حقوق الأطفال ... إنهم يطاردون في أي مكان يذهبون إليه".
وتجبر إناث ليف طاهور على ارتداء العباءة السوداء التي تغطي كامل الجسد باستثناء الوجه، كما هو الحال في الدين الإسلامي، لكن الطائفة اليهودية تغطي كامل أجساد الفتيات البالغات من العمر 3 سنوات فأكبر.
ويقضي رجال ليف طاهور معظم أيامهم في الصلاة والعبادة ودراسة أجزاء معينة من التوراة، وغالبا ما يشيع لديهم الزواج بين الرجال الأكبر سنا والمراهقات القصر. كما يمتنع منتسبو الطائفة من استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة كالهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر.
في يوليو 2017، ذكرت وسائل الإعلام المكسيكية أن هيلبرنز لقي حتفه بعد أن غرق في أحد الأنهار أثناء ممارسته طقوسا دينية تقتضي نزول المتعبدين إلى النهر، تاركا قيادة الطائفة لنجله ناخمان.
لماذا إيران؟
في عام 2019، كشف موقع "ياشيفا" المختص في شؤون الديانة اليهودية عن وثائق سرية تبين أن طائفة ليف طاهور بايعت المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وطلبت اللجوء لإيران.
وتطلب الطائفة الذهاب لإيران لممارسة حريتها الدينية لأنها تعتقد أن الدولة ستكون خيارا مثاليا لها على اعتبار العداء الدائم بين طهران وإسرائيل والمبني على أساس أيديولوجي من قبل النظام الإيراني الشيعي.
في العام 2008، التقى الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد مع مجموعة من اليهود الأصوليين في نيويورك على هامش زيارة نجاد لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وحينها، أبلغ نجاد 12 من الحاخامين من جماعة "نيتوراي كارتا إنترناشيونال" أن "الصهيونية ضعفت كثيرا وستنهار قريبا وعندئذ يمكن لكل اليهود والمسلمين والمسيحيين ان يعيشوا في سلام مع بعضهم البعض"، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
في المقابل وبحسب الوكالة ذاتها، أبلغ موشي بير بيك كبير الحاخامين بالجماعة نجاد "أن يتاح لنا شرف الالتقاء بشخص مرموق يفهم الفرق بين الصهيونية واليهودية هو بالنسبة لنا مناسبة سعيدة للغاية".
ويتفق النظام الإيراني مع اعتقاد هذه الجماعات اليهودية المتطرفة، بما في ذلك ليف طاهور بسيادة فلسطين على الأراضي المقدسة وأن سيطرة السلطات الإسرائيلية عليها مخالف لتعاليم التوراة ويمنعان من ظهور المنقذ آخر الزمان.
وفقا لموقع "واي نت" الإخباري، فإن عائلات طائفة ليف طاهور المقيمين في إسرائيل، ناشدوا السلطات بمنع سفر أحبائهم من غواتيمالا إلى إقليم كردستان العراق بالقرب من الحدود الإيرانية.
طلبت العائلات الإسرائيلية من وزيري الخارجية والعدل إرسال رسائل عاجلة إلى نظرائهم في غواتيمالا لإغلاق حدود البلاد ومنع نزوح جماعي لأعضاء طائفة ليف طاهور إلى إيران.
ويقولون إن "الوصول إلى الحدود الإيرانية يمكن أن يتسبب في حدث سياسي وأمني ضخم. صفقة شاليط ستبدو بجانبها مثل لعبة أطفال".
وصفقة شاليط هي عملية تبادل للأسرى بين إسرائيل وحركة حماس التي تحكم قطاع غزة في العام 2011، إذ شملت الصفقة إفراج الأولى عن 1027 سجينا فلسطينيا مقابل إفراج حماس عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط المحتجز في غزة منذ العام 2006.
والخميس، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" مقطع فيديو يظهر المتحدث باسم طائفة ليف طاهور وهو يشيد بالجيش الإسرائيلي.
ووفقا للصحيفة الإسرائيلية، فإن المقطع الذي سُجل بعد فترة وجيزة من جولة القتال الأخيرة التي خاضتها إسرائيل مع حماس في غزة شهر مايو الماضي، يظهر المتحدث باسم ليف طاهور، أوريل جولدمان، وهو يرفض الاتهامات بأن الجيش الإسرائيلي استخدم القوة المفرطة خلال 11 يوما من القتال على اعتبار أن ذلك "مزحة".
وتشير الصحيفة إلى أن هذا الفيديو قد يمثل عقبة أمام مساعي طائفة ليف طاهور بالهجرة إلى إيران.
"انعكاسات غير متوقعة"
ويقول موقع "واي نت" في تقريره إن سلطات غواتيمالا نجحت في منع بعض أعضاء الطائفة من السفر ممن يحملون جوازات أميركية، خاصة وأن بحوزتهم بعض الوثائق المزورة خاصة بأطفالهم، فيما سافر البعض بالفعل إلى العراق قبل ذلك تحضيرا لاستقبال بقية أفراد الطائفة.
وقال التقرير إن الطائفة كانت تخطط في البداية للانتقال إلى أربيل التي يعتقدون أنها مدينة بابل التوراتية قبل السفر جديا إلى إيران. ويشعر أقارب هذه الطائفة في إسرائيل بالقلق على أحبائهم بسبب تهديدات داعش الإرهابي.
وقال مواطن إسرائيلي تتبع ابنته هذه الطائفة إنه لا يقوى على النوم، لأن ابنته تنوي السفر إلى إيران، وفقا لموقع "واي نت" الذي أشار إلى هويته بحرف "ر" فقط.
وأضاف: "من وقت لآخر يتدهور وضعهم الخطر. إيران أكثر خطورة على حياتهم مما هي عليه الآن ... عندما اتصل أحفادي، اشتكوا من آلام في المعدة ... إنهم لا يأكلون اللحوم والدواجن والأسماك".
من جانبه، يقول مدير عام منظمة "عاموديم" المنتمية لليهود "الحريديم" في الولايات المتحدة، تسفي غلوك، إن الولايات المتحدة هي التي دعت غواتيمالا لإيقاف سفر طائفة ليف طاهور بناء على طلب من إسرائيل.
يوضح غلوك في تصريحات لـ "واي نت" تناقلتها وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة، أن طائفة ليف طاهور تتكون من 280 يهوديا يحملون جوازات سفر إسرائيلية وأميركية وكندية وبعضهم يحمل جنسيات مزدوجة.
وأشار إلى تعمد الطائفة عدم إصدار أوارق ثبوتية للمواليد حديثا من أبنائهم وذلك حتى لا تتمكن سلطات غواتيمالا من انتزاع الأطفال من عائلاتهم، الأمر الذي ساهم أيضا بعرقلة سفرهم إلى العراق مؤخرا.
من ناحية أخرى، يرى ميلر أن هناك "انعكاسات غير متوقعة" لقضية طائفة ليف طاهور اليهودية حال وصولها إلى إيران.
وقال إن وجود ليف طاهور في إيران يجعل منهم "رهائن محتملين" حال نشوب أي أزمة بين إسرائيل وإيران أو حتى إسرائيل والولايات المتحدة.
وأضاف: "إن كانوا مواطنين إسرائيليين، فالدولة مسؤولة على أمنهم وسلامتهم" خاصة وأن إمكانية وصولهم لإيران يشكل ضغطا على إسرائيل.
ويدلل ميلر حديثه بحادثة الرهائن الأميركيين عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، حيث تم اقتحام السفارة الأميركية لدى طهران نوفمبر من العام ذاته واحتجز 52 مواطنا أميركيا لأكثر من عام. وأفرج عن الرهائن الأميركيين بعد صفقة رعتها الجزائر مطلع العام 1981.
إلى ذلك، ذكر تقرير موقع "واي نت" ذاته أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تنسق مع كندا والولايات المتحدة من أجل منع الهجرة المزمعة لأعضاء الطائفة إلى إيران بعد أن ناشدهم أقارب أعضاء الطائفة المعنيين بسبب مخاوف جدية على سلامة أفراد عائلاتهم.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي، إيلي نيسان، أن محاولة هجرة أفراد من طائفة ليف طاهور إلى إيران هي قضية فردية.
وقال لموقع "الحرة" إن "الولايات المتحدة وإسرائيل يبذلان كل جهد من أجل عدم وصول هؤلاء اليهود المتزمتين إلى إيران خشية أن تحتجزهم إيران". وتابع: "إيران عدو من الممكن أن تشكل مشكلة لهؤلاء اليهود".