اليمن: تغييرات في المناهج الدراسية لصناعة الجهاديين

الأخبار I أخبار وتقارير

 

 

 

منذ استيلائها على صنعاء عام 2014، عززت جماعة الحوثيين قبضتها على شمالي اليمن.

 

 

 يتمثل جزء مهم من ذلك في تركيزها المكثّف على التعليم، واستهداف الشباب بصورة ممنهجة بالأيديولوجية الحوثية، ما يعني الانتقال من التعليم المدني إلى التعليم الذي يتمتع بتوجه ديني أكثر -وهي خطوة مماثلة لما اتخذته الثورة الإيرانية عام 1979، حين غيّر أتباع آية الله الخميني المناهج الدراسية في إيران كوسيلة لتشكيل الجيل القادم.

في اليمن، يسهل ربط الشجاعة بالاستشهاد. كانت قصص الرجال الشجعان الذين يدافعون عن بلادهم العمود الفقري للحكايات الشعبية في الثقافة اليمنية لقرون. يمكن التلاعب بالمفهوم بسهولة لتصوير الشجاعة كمحاولة للدفاع عن الوطن ضد العدو. واليوم، بعد سبع سنوات من الصراع، تتسلل نسخة منقحة لهذا المفهوم إلى عقول الأطفال. ولم تعد قصص الأبطال في سيناريوهات احتمالاتها ضئيلة؛ بل هم الآن نماذج حقيقية من آبائهم وإخوانهم وأقاربهم. تصنع جماعة الحوثيين أجيالًا مستقبلية من المقاتلين.

 

•حيث بدأ كل شيء

منذ وصولها إلى السلطة، نفذت سلطات الحوثيين أجندة مذهبية لضمان ولاء الأطفال لها في المستقبل وإقناع البالغين بالقتال إلى جانبها على خطوط المواجهة.[3] في مجال التعليم، وبعد أكثر من سبع سنوات من الحكم، بات من السهل ملاحظة التغييرات التي أُدخلت على المناهج الدراسية والنظام التعليمي على نطاق أوسع. وتشمل الأمثلة ما قد يبدو أنها تغييرات صغيرة في كيفية تفسير الآيات القرآنية، إلاّ أن هذه التغييرات تغيّر تمامًا فهم المرء للنص. على سبيل المثال، سُلط الضوء على الآيات التي تمجد الجهاد، في حين أُعيد تفسير آيات أخرى لتتماشى مع هوية الجماعة. كما يصوّر الهاشميون على أنهم متفوقون، في حين استُبدلت فصول كاملة كانت تعكس تاريخ اليمن المتنوع والغني بأخرى تركز على الزعماء الزيديين والشيعة والحوثيين.

على سبيل المثال، استُعيض عن القصص التي تتحدث عن أبطال عرب تاريخيين -مثل عمر بن عبدالعزيز، وعمر المختار، ويوسف العظمة- بالقصص التي تتحدث عن صالح الصماد، الرئيس السابق للمجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، الذي قُتل في أبريل/نيسان 2018.[4]

بدأت التغييرات في صعدة، حيث أدمجت الجماعة أدبياتها عبر توزيع مؤلفات لمؤسس الجماعة، حسين بدر الدين الحوثي.[5] وأصبحت تعاليم الحوثيين المنهج الدراسي الرئيسي في المحافظة عام 2010. وينبع النهج التعليمي للجماعة من قناعتها أن النظام التعليمي الحالي يفسد الشباب.[6] وكوسيلة لمحاربته، تشكلت حركة الشباب المؤمن أوائل التسعينيات، وأنشأت مراكز دينية لتدريس العلوم الإسلامية وفقًا للآراء الزيدية، وانبثقت فيما بعد جماعة الحوثيين في إطار هذه الجهود.[7] منذ عام 2010، فُرض شعار الحوثيين الرسمي “الصرخة” في جميع مدارس المحافظة ليحل محل النشيد الوطني في كثير من الأحيان.[8]

عام 2016، بعد عامين من سيطرة الحوثيين على صنعاء، عيّنت الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي، شقيق الزعيم الحالي لها عبدالملك الحوثي، وزيرًا للتربية والتعليم. أثارت هذه الخطوة المخاوف في صنعاء والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة الجماعة من إمكانية تغيير أو تعديل المناهج التعليمية.

في البداية كانت التغييرات طفيفة، ولكن بالنسبة للعام الدراسي 2021/2022، أصدرت وزارة التربية والتعليم في صنعاء منهجًا معدلًا للدراسات الإسلامية والقرآن الكريم والعلوم الاجتماعية للمرحلة الابتدائية. وأدخلت هذه المناهج دروسًا جديدة وعدّلت أو حذفت دروسًا أصلية كانت تشمل الحقوق المدنية ودور المرأة وتاريخ الشخصيات المؤثرة التي شكلت تاريخ اليمن.

كما بدأ الحوثيون في إجراء تغييرات في الكليات التقنية والمهنية والمجتمعية، كل ذلك بذريعة “حماية الإسلام.” وكجزء من هذه العملية، راقب الحوثيون ما يدرسه الأساتذة في الفصول الدراسية وكذلك الآراء السياسية لهؤلاء الأساتذة والمعلمين.[9]

 

•عملية التغيير

من أجل غرس أفكار ومعتقدات جماعة الحوثيين بين طلاب المدارس -وتنفيذ التغييرات في المناهج الدراسية بسلاسة- كانت الجماعة مستعدة لتغيير مدراء المدارس وعزلهم عن وظائفهم، واستبدالهم بموالين لها. ووفقًا لما ذكره يحيى اليناعي، المتحدث باسم نقابة المعلمين اليمنيين -وهي مجموعة موالية للحكومة المعترف بها دوليًّا- فإن هذه التكتيكات أتاحت للحوثيين الآن التحكم بـ 90% من المدارس في المرتفعات الشمالية.[10]

ولتمويل طباعة وتوزيع المناهج الدراسية الجديدة، فرضت وزارة التربية والتعليم في صنعاء رسومًا على الطلاب في المدارس الحكومية باعتبارها “مساهمات مجتمعية” (يدفع طلاب المدارس الابتدائية 500 ريال يمني ويدفع طلاب المدارس الثانوية ما بين 1000 إلى 1500 ريال يمني شهريًّا). كما رفعت رسوم تجديد تراخيص المدارس الخاصة. كما أجبرت المدارس الخاصة على شراء المناهج الدراسية الجديدة والتبرع بنسخ منها إلى المدارس الحكومية المجاورة. كما يقوم مكتب وزارة التربية والتعليم في صنعاء بعمليات تفتيش عشوائية للمدارس لضمان استخدام المنهج الجديد.[11] وتواجه المدارس التي تستخدم المنهج القديم غرامات تصل إلى 400 ألف ريال يمني.[12]

وكثيرًا ما تصدر وزارة التربية والتعليم مناهج دراسية إلى المدارس العامة والخاصة عن طريق الواتساب أو التليجرام، وتفرض ما ينبغي تدريسه. في الوقت نفسه، يعمل الموالون الحوثيون، الذين وُظفوا كمعلمين، كمفتشين حيث يبلغون عن كيفية تعليم زملائهم الدروس للطلاب.[13] كما يُوظف أطفال الموالين للحوثيين كمراقبين.[14]

 

•ما الذي تغير

استهدفت التغييرات في كتب المرحلة الابتدائية أربعة مناهج دراسية: اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية المدنية والتاريخ. تضمنت التعديلات المدخلة على منهج التربية المدنية دروسًا تمجّد تاريخ جماعة الحوثيين منذ سيطرتها على صنعاء والأحداث التي صاحبت تلك الفترة. على سبيل المثال، كثيرًا ما تصف هذه الدروس التحالف الذي تقوده السعودية بأنه مدعوم من “التحالف الأمريكي الصهيوني”، وتصوّر الحوثيين على أنهم حماة اليمن.[15]

استُبدلت الدروس حول محمد محمود الزبيري وعلي عبدالمغني، الشخصيات المحورية في ثورة 1962 في شمالي اليمن بدروس تتحدث عن الإمام القاسم والإمام المنصور وابنه يحيى حميد الدين -وجميعهم أئمة زيديون حكموا اليمن. ويوصف تأريخ 21 سبتمبر/أيلول 2014 -تأريخ استيلاء الحوثيين على صنعاء- بأنه “ثورة”.[16]

وفي الصف الثامن (الأعمار 13-14)، يحذف المنهج الدراسي الجديد كل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر عام 1962 التي أسست الجمهورية العربية اليمنية. كما حذفت أيضًا دروسًا حول دور الدولة والسلطات التنفيذية الثلاث ومفهوم الحكم الاستبدادي. واستُعيض بدروس عن الهوية الوطنية والدفاع عن الوطن والكفاح من أجل الاستقلال. أما في الصف التاسع (الأعمار من 14 إلى 15 سنة)، حُذفت جميع الدروس المتعلقة بالحياة المدنية والمجتمع المدني ومشاركة المرأة.[17]

علاوة على ذلك، جميع الطلاب ملزمون بالاضطلاع بدور فعّال في الأنشطة الدينية[18] والمناسبات “الوطنية”،[19] التي تبرز دور الحوثيين في الدفاع عن الوطن وتؤكد على تواطؤ الحكومة المعترف بها دوليًّا في موت المدنيين اليمنيين.

 

•مراكز صيفية للتلقين العقائدي

تتطلب التغييرات في المناهج الدراسية وقتًا أطول مما ترغب به سلطات الحوثيين لتؤثر على الطلاب. وللتعجيل بهذه العملية، أحيت الجماعة المدارس والمراكز الصيفية وخصصت المزيد من الموارد لها، لتعزيز انتشارها وقبولها. وحظيت هذه المراكز باهتمام كبير من زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، وشقيقه، يحيى الحوثي، وزير التربية والتعليم.

نتيجة لذلك، أنشأت سلطات الحوثيين ما يقرب من 3,700 مركز في 16 محافظة. وتسيطر قيادة الحوثيين على هذه المراكز، وتصمم المحتوى التعليمي الذي يُدرس للمشاركين فيه. ويُشجع الخطباء وغيرهم من الشخصيات ذات النفوذ في المساجد على الحضور. كما أن المشاركة في هذه المراكز يميّز الأطفال المشاركين وأسرهم ويجعلهم يحظون بالتقدير. وليس من المستغرب أيضًا أن الحوثيين لا يسمحون بإنشاء أي مراكز دراسات صيفية غير تابعة لهم.[20]

في عدة حالات، تحدث آباء وأمهات عن تأثر أطفالهم بحديث زملائهم خلال هذه المدارس الصيفية عن الانضمام إلى القتال. كما هرب العديد من الأطفال من منازلهم للالتحاق بالجبهات الأمامية النشطة دون موافقة والديهم بعد أن تأثروا بأقرانهم الذين تدربوا في هذه المراكز الصيفية.[21]

في تقرير مشترك صدر عام 2021، ذكرت منظمة سام للحقوق والحريات والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن “الحوثيين يستخدمون المراكز الصيفية لتجنيد الأطفال عبر تلقين الطلاب أيديولوجيات الجماعة من خلال محاضرات مذهبية”. ووفقًا للتقرير، بلغ عدد الأطفال الذين جندتهم الجماعة منذ عام 2014 حوالي 10,333 طفلًا،[22] بينما قدّر بيان صحفي صادر في 2017 عن مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عدد الأطفال المجندين الذين يقاتلون مع الجماعة بحوالي 1,500 طفل.[23] وبحلول نهاية عام 2018،[24] أفادت وكالة أسوشيتد برس عن تجنيد حوالي 18 ألف طفل.[25] وعام 2019، قدّر وزير حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية عدد الأطفال المجندين منذ عام 2014 بحوالي 30 ألف طفل.[26]

 

•مجلة جهادية للأطفال

قال العديد من المعلمين الذين أُجريت معهم مقابلات إن المجتمع ووسائل الإعلام تلعب دورًا أكبر في تشكيل وعي الطلاب وثقافتهم مقارنة بالمدرسة -وهي النقطة التي تهدف جماعة الحوثيين إلى استغلالها.[27]

وأصدرت سلطات الحوثيين مجلة شهرية تسمى “الجهاد” تستهدف الأطفال برسوم توضيحية مبهرجة. تستهدف المجلة، وهي من تأليف مؤسسة الإمام الهادي الثقافية المرتبطة بجماعة الحوثيين،[28] جميع أعداء الحوثيين حيث إنها تصفهم بالجبناء والمتواطئين مع الولايات المتحدة. يمكن العثور على مجلة الجهاد على موقع إلكتروني مخصص وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي.[29]

ووفقًا لتقرير معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي (IMPACT-SE)، فإن المجلة تواري بعض موادها الأيديولوجية المتشددة من خلال تقديم محتوى علمي ومحايد مفيد مثل دروس الرسم وتمارين الرياضيات.[30] غير أن الجزء الأكبر من المجلة يركز على أهمية الجهاد ويصوّر الأطفال وهم يقاتلون في المعارك أو يخططون للهجمات أو يناشدون أسرهم بالسماح لهم بالذهاب ومكافحة “العدوان” الذي يهدد البلاد.

كما تعرض المجلة محتوى عنيفًا. يتم تصوير جميع البشر الذين يقفون ضد جماعة الحوثيين على أنهم وحشيون وغير أخلاقيين، بينما يُصوّر أولئك الذين يسعون إلى السلام كضعفاء. تتضمن المجلة صورًا مؤثرة للأطفال الذين قُتلوا في غارات جوية، مع تعليقات تعلن أن “العدو” لن يتوقف أبدًا حتى يموت جميع اليمنيين.[31]

وهكذا تطبق سلطات الحوثيين التغييرات في المناهج التعليمية، التي تعززها البروباغندا الاجتماعية، للتأثير على المجتمع اليمني وإحداث التغييرات التي ترغب في رؤيتها. وستظهر انعكاسات هذه التغيرات في المستقبل أثناء مرور النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني بتحولات جذرية.

يجب أن تعمل المؤسسات الوطنية والدولية معًا لوقف تسلل هذه الأفكار إلى المدارس والحياة اليومية للأطفال. إذا لم يتم فعل شيء للحد من تأثير هذا التلقين العقائدي، ستمضي أجيال من الشباب اليمني نحو مستقبل يكون فيه أعلى تطلعاتهم في الحياة هو الاستشهاد في معركة، حيث سيُشار إلى الشهرة والنجاح من خلال تعليق ملصق لوجه المرء في الشوارع بجوار جميع من ماتوا معتقدين أن العنف الذي ارتكبوه كان باسم الله. وسيشهد العالم انبثاق سلالة من المتطرفين ولدوا من رحم تعاليم الكراهية والفقر، مما سيزعزع استقرار المنطقة لأجيال قادمة.

 

 

 

*منال غانم هي باحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية حيث تركز أبحاثها على البحوث الثقافية والتقنية.

*شارك في إعداد هذا التقرير أحد المشاركين في منتدى سلام اليمن التابع لمركز صنعاء. تم حجب الاسم لأسباب أمنية