يسود جو من الارتياح لدى الفريق العلمي الذي يدير مركبة برسفيرنس- التابعة لوكالة ناسا- على المريخ، إذ أرسل الباحثون روبوتًا إلى موقع يوفر أفضل فرصة ممكنة للعثور على علامات للحياة القديمة على المريخ.
فقد حطت بيرسي على (فوهة جيزيرو -Jezero Crater) في فبراير عام 2021، ومنذ ذلك الحين تلتقط آلاف الصور لمحيطها، ويشكل تفسير هذه الصور أساس أول ورقة علمية، طُبِعت في مجلة ساينس، في أكتوبر 2021.
يؤكد التحليل أن المركبة تقبع على أرضية بحيرة كانت ضخمة في السابق، يغذيها نهر متعرج من جهة الغرب. إننا نتحدث عن أحداث منذ أكثر من 3.5 مليار سنة، عندما كان مناخ الكوكب الأحمر أكثر اعتدالًا.
تؤكد ملاحظات برسفيرنس، أنه في المكان الذي يلتقي فيه نظام النهر بمياه البحيرة، تباطأت التدفقات فجأة وسقطت الرواسب المعلقة لتشكل دلتا، وهو نوع من الأشكال الأرضية يأخذ شكل إسفين يشاهد في جميع أنحاء الأرض. في مثل هذه البيئة، يمكن للكائنات الدقيقة أن تنمو، ويُحافظ على آثارها الكيميائية.
قال البروفيسور سانجيف جوبتا من الكلية الملكية في لندن، المملكة المتحدة، وهو المؤلف الرئيسي المشارك في ورقة مجلة ساينس المذكورة: «قال لي الناس، ما الجديد هنا؟ ألم نعلم أن هناك دلتا في فوهة جيزيرو؟ حسنًا، في الحقيقة، استنتجنا من الصور المدارية أن الفوهة تحتوي على دلتا، ولكن لا يمكنك أن تكون متأكدًا تمامًا حتى النزول إلى الأرض».
من الممكن أيضًا أن نلاحظ مروحة فيضية، وهي راسب على شكل مروحي، يتكون عندما تنساب المجاري المائية في الأودية الضيقة شديدة الانحدار، ثم تنبثق فجأة إلى الوديان منبسطة القاع أو المناطق السهلية، فإنه يحدث تغيرًا في الظروف عند مقدمة الجبل، وتترسب على امتداد هذه المقدمة كميات كبيرة من الرواسب على هيئة تراكمات مروحية أو مخروطية.
فالمروحة الفيضية هي شكل أرضي، يضع مروحة الرواسب في بيئة طاقة عالية، مثل الفيضان المفاجئ (هذا وضع لا يفضي إلى علم الأحياء).
إذا افترضنا وجود ميكروبات مريخية فإنها كانت ستفضل المياه الأكثر هدوءًا وثباتًا المرتبطة بالدلتا.
هبطت برسفيرنس على بعد بضع كيلومترات من تشكيل الدلتا الرئيسي، لكن المشاهدات التلسكوبية للمركبة كانت جذابة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتلة معزولة، أو شاهد صخري.
من الممكن أن نرى في هذه البقايا بعض الطبقات الكلسية التي ينتجها دلتا نامية.
هناك قيعان أفقية تتكون من رواسب دقيقة الحبيبات تُلقى بعيدًا من مدخل النهر إلى حفرة البحيرة.
تشير التنبؤات إلى أن الرواسب هبطت أسفل منحدرات الفجوات المتقدمة للدلتا.
والأعلى من ذلك، هي القمم، وهي الرواسب من النهر بعد اتساع حواف الدلتا إلى مسافة بعيدة.
تشير الصخور الكبيرة الموجودة في كودياك وتشكيل الدلتا الرئيسي في جيزيرو إلى فيضانات في وقت متأخر من تاريخ المياه في الفوهة.
قال البروفيسور غوبتا: «شيء تغير في الهيدرولوجيا. لا نعلم هل له علاقة بالمناخ، لكن لتحريك هذه الصخورِ الكبيرة نحتاج إلى شيء كالفيضان. ربما كانت هنالك بحيرات جليدية في مستجمعات المياه المحلية التي أرسلت مياه الفيضان هذه إلى جيزيرو».
وصرح غوبتا لبي بي سي نيوز: «نرى انفجارات البحيرة على الأرض في أماكن مثل جبال الهيمالايا. في حوض الغانج، نحصل على هذه الصخور الكبيرة مختلطة مع رمال النهر العادية، وهذا هو المكان الذي حدث فيه فيضان مفاجئ من بحيرة جليدية».
سيرسل فريق برسفيرنس المركبة إلى قاعدة تشكيل الدلتا الرئيسي للتنقيب عما يتوقع أن يكون أحجار طينية دقيقة الحُبيبات.
سيستهدفون أيضًا حلقة من صخور كربونية حول حافة جيزيرو، التي قد تمثل شواطئ فوهة البحيرة عندما كانت أعمق.
كُلف الروبوت بجمع وتغليف أكثر من مجموعة عينات لصخور من مواقع مختلفة، وستعاد هذه العينات إلى الأرض في أوائل عام 2030 لفحصها في المختبرات المتقدمة لتحديد ما إذا كانت أشكال الحياة المجهرية تواجدت على المريخ أم لا.
خطط عملية الاسترجاع هذه متقدمة جدًا، وستشارك ناسا وشركاؤها في وكالة الفضاء الأوروبية في إرسال عربة أخرى لجلب العينات المخزنة من أي مكان في الحفرة.
ستلتقط مركبة بريطانية العينات، وتحملها إلى صاروخ يدفعها بعد ذلك إلى مدار المريخ، لتنقلها سفينة شحن تعمل بالقمر الصناعي إلى الأرض.
قالت سو هورن، رئيسة استكشاف الفضاء في وكالة الفضاء البريطانية: «نحن على وشك دخول أكثر الأوقات إثارة في استكشاف المريخ».
قريبًا سيصبح حلم فحص العينات من الكوكب الأحمر حقيقة واقعة مع نظام جلب العينات الشهر المقبل