ضربة جديدة وجهها الرئيس التونسي، قيس سعيد، في حربه ضد حركة النهضة الإخوانية، وما خلفته من فساد طيلة سنوات حكمها في البلاد، وذلك بدعوته للتدقيق في الأموال الممنوحة إلى تونس خلال آخر 10 سنوات، والتقصي في مصير هذه الأموال التي لم تستفد منها الدولة التونسية، وذهب بعضها إلى أرصدة خاصة .
وقال قيس سعيد، إن عشرات المليارات التي تم ضخها في تونس خلال العشر سنوات الماضية، زمن حكم حركة النهضة الإخوانية في البلاد، لا أثر لها في الواقع، متوعدا بتحميل كل شخص متورط في اختفاء الهبات والقروض الممنوحة لتونس، مسؤوليته.
وكلف سعيد وزيرة المالية، سهام بوغديري نمصية، بإجراء "جرد شامل" للهبات والقروض التي حصلت عليها تونس في السنوات الماضية، لمعرفة كيفية إنفاق هذه الأموال ومآل القروض التي جاءت بصفة خاصة من الخارج.
وكان الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، قد قال خلال زيارة له إلى تونس عام 2018، إن الاتحاد قدم مساعدات بقيمة 10 مليارات يورو منذ 2011، غير أنه يصعب تحديد أرقام ومعطيات دقيقة عن الهبات والقروض التي تلقتها تونس منذ ثورة عام 2011، ومآلاتها، من جهة رسمية حتى الآن.
يذكر أن العديد من منظمات المجتمع المدني كانت قد رصدت في مرات متكررة، تجاوزات لحركة النهضة في الاستيلاء على المال العام وتحويل وجهة القروض والهبات.
وأكد رئيس منظمة "الحوكمة والشفافية المالية"، سامي الرمادي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "منذ عام 2010 حتى اليوم، لم يقوم البرلمان التونسي بمساءلة الوزراء بشأن أبواب صرف الميزانية"، مشيرا إلى أن حركة النهضة ومنذ توليها الحكم في 2011، تحصلت على أول قروضها الخارجية بقيمة 500 مليون دولار، بفائدة قدرت بـ2,3 بالمئة، دون استشارة محافظ البنك المركزي.
وأضاف أن المحافظ "أكد لمنظمة الحوكمة والشفافية المالية، أنه كان من الممكن الحصول على نفس قيمة القرض من البنك الدولي بنسبة فائدة لا تتجاوز 1,1 بالمئة".
ونوه الرمادي إلى أن حكومات النهضة المتعاقبة تحصلت أيضا على صك خارجي بقيمة 60 مليون دولار ليستفيد منه قتلى وجرحى الثورة، غير أنه بالتثبت في مصير المبلغ، "تبين أن الصك تم صرفه لتقديم تعويضات لفائدة مساجين سابقين منتمين للحزب الإخواني متمتعين بالعفو التشريعي العام".
واستطرد: "كما تورطت النهضة في إغراق الوظيفة العمومية خارج إطار التناظر، بمنتسبي الحزب، تحت أنظار الشعب التونسي، مصادرة بذلك انتفاضته وأحلام العاطلين عن العمل والمهمشين، وهي واحدة من آليات حركة النهضة التي استعملتها لنهب المال العام".
كما ذكر الرمادي أن "حكومة الترويكا في عام 2014، تحصلت على قرض بقيمة 114 مليار دينار، لم يعرف مصيره حتى اليوم".
من جانبه، قال النائب ورئيس لجنة الإصلاح الإداري في البرلمان مجمد الصلاحيات، بدر الدين القمودي، إنهم" طالبوا كثيرا بالكشف عن مصير الهبات والقروض التي جاءت إلى تونس بين عامي 2011 و2021، دون الحصول على إجابات، قبل إجراءات 25 يوليو التي أعلنها سعيد، والتي بشرت بإرادة صادقة في محاربة لصوص المال العام، بعد التحالفات السابقة بين رأس المال الفاسد والحكومة التي كانت تحمي مصالح الفاسدين، بمباركة من حركة النهضة".
ودعا القمودي محكمة المحاسبات، بإدراج الهبات ضن المهام الرقابية التي تتولاها، مشيرا إلى أن بعض هذه المهام الرقابية بدأت على مستوى وزارة الصحة والهبات التي تلقتها خلال جائحة كورونا، في انتظار إثارتها في كل الوزارات.
وأكد أنه لا بد من "التدقيق الشامل بخصوص الهبات والقروض التي تحصلت عليها تونس في مختف المجالات، خاصة التي تم تحويل وجهة البعض منها إلى حسابات خاصة، مثل ما حصل مع الهبة الصينية بقيمة مليار دينار تونسي، والتي تورط في السطو عليها رفيق بوشلاكة، صهر راشد الغنوشي، وهو أمر مثبت بالوثائق".
يأتي هذا فيما اعتبرت الناشطة في حملة مقاومة الفساد "منيش مسامح"، صبرة شرايفية، أن "حاجز الخوف قد رفع عن التونسيين بعد إجراءات يوليو، وأصبح الجميع يوجه أصابع الاتهام للمتورطين في الفساد والسرقات.
وأشارت الناشطة إلى وجود "ثغرات قانونية داخل مؤسسات الدولة، تسمح بالفساد والتعامل مع الدولة بمنطق الغنيمة، وقد استغلتها حركة النهضة لتضخيم حجمها السياسي، والحصول على التعويضات من مال الدولة، وتكريس التبعية المالية للبلاد إلى الخارج، وهو ما يجب كشفه ومحاسبة المتورطين فيه".