على مدار 9 أشهر، انخرط تيم ليندركينغ المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، في لقاءات وزيارات إلى المنطقة العربية تجاوزت الـ13 مرة، وذلك من أجل «تحقيق السلام» وإنهاء الصراع في البلاد، وتفعيل الحوار السياسي بين الفرقاء اليمنيين. إلا أن الجهود الأميركية «المتناغمة علناً» مع الأمم المتحدة، لم توقف إطلاق النار بشكل نهائي، ولم تنهِ الصراع المستمر في البلاد على مدار 7 أعوام.
«الشرق الأوسط» حاورت المبعوث الأميركي ليندركينغ، وحاولت معرفة ماذا يحمل المسؤول الأميركي من «أدوات» لإحلال السلام، خصوصاً أنه ليس بجديد على المنطقة، حيث عدّ 5 إنجازات يعتقد أنه استطاع تحقيقها منذ تنصيبه في فبراير (شباط) الماضي، وهي: الانخراط بشكل مكثّف مع أطراف الصراع، وخلق إجماع دولي حول القضية، وتصنيف الكثير من قادة الحوثي والشبكات المالية التابعة لهم في قوائم العقوبات، ورفع مستوى المساعدات الإنسانية، وأخيراً دعم المبعوث الأممي... وفيما يلي نص الحوار:
> ما الذي حققته خلال رحلاتك إلى المنطقة التي تجاوزت 10 مرات منذ أصبحت مبعوثاً خاصاً؟
- منذ أن تسلمت منصبي، انخرطتُ بشكل مكثف مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة والزعماء اليمنيين والإقليميين لتقديم حل دائم يحسّن حياة اليمنيين ويخلق مساحة لتقرير مستقبلهم بشكل جماعي. وقد تُرجمت هذه الزيارات إلى لبنات بناء مهمة، لتمهيد الطريق للسلام في اليمن من بينها: أولاً، ساعدنا في بناء إجماع دولي وإقليمي غير مسبوق بشأن الحاجة إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار، وتفعيل الحل السياسي، وأعلنت الحكومتان اليمنية والسعودية دعمهما لوقف إطلاق النار، واستئناف المحادثات السياسية، كما رأينا سلطنة عمان تلعب دوراً إقليمياً حاسماً واستباقياً.
ثانياً، صنّفت الولايات المتحدة الكثير من قادة الحوثيين والشبكات المالية التابعة لها في قوائم العقوبات، وهذا له تأثير حقيقي على عمليات الحوثيين، وسنواصل متابعة تصنيف الأفراد والكيانات التي تعزز عدم الاستقرار وترتكب فظائع ضد المدنيين.
ثالثاً، اتخذت الولايات المتحدة خطوات حيوية لتخفيف الوضع الإنساني، وهي واحدة من كبرى الجهات المانحة للاستجابة الإنسانية، إذ قدّمنا قرابة 4 مليارات دولار للتخفيف من معاناة الشعب اليمني منذ بدء الأزمة قبل نحو 7 سنوات. كما ساعدت دعوة الولايات المتحدة مع المانحين الآخرين، في جعل اليمن أحد أكثر نداءات الأمم المتحدة تمويلاً. ومع ذلك، فإننا ندرك أنه لا تزال هناك حاجة إلى المزيد.
رابعاً، ندرك أن المساعدة الإنسانية وحدها لا تكفي، لذا يجب علينا أيضاً معالجة الدوافع الاقتصادية للأزمة، حيث تعمل الولايات المتحدة أيضاً مع شركاء آخرين لتقديم الدعم الاقتصادي، ودفع الإصلاحات الحاسمة اللازمة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد اليمني. وقد شمل ذلك مطالبة بحل أزمة الوقود، حيث شجعنا الحكومة اليمنية على تخليص سفن الوقود المنتظرة خارج ميناء الحديدة، وهناك حاجة إلى حل أكثر ديمومة يعالج أيضاً تلاعب الحوثيين بالأسعار وتخزين الوقود.
وأخيراً، عملنا بشكل وثيق مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة وشركاء دوليين آخرين لتشجيع عملية سلام جديدة وأكثر شمولاً بقيادة الأمم المتحدة، ولكن للأسف رغم كل هذه الخطوات، يواصل الحوثيون مفاقمة الأزمة الإنسانية وعرقلة السلام. وسيستغرق الأمر جهود المجتمع الدولي المشتركة لإنهاء هذا الصراع، جنباً إلى جنب مع الجهود المبذولة لتضخيم أصوات الغالبية العظمى من اليمنيين الذين يطالبون بالسلام. أنا وفريقي ملتزمون بهذه المهمة ونؤمن بها، لأن «السلام ممكن».
> ما رأيك في انخراط الحوثيين مع المحادثات؟ هل تعتقد أنهم يريدون السلام حقاً؟
- كان الحوثيون يشاركون في بعض الأحيان بشكل بنّاء في المحادثات، إلا أنهم لم يُظهروا التزاماً حقيقياً بعملية السلام. وتدين الولايات المتحدة جميع هجمات الحوثيين. كما قال الوزير (أنتوني) بلينكن سابقاً: «سيعاني المدنيون ما دامت الهجمات العسكرية الوحشية للحوثيين مستمرة»، وسبق أن أصدر أعضاء مجلس الأمن بياناً مشتركاً دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار على مستوى البلاد، وأدان هجمات الحوثيين المستمرة في اليمن والسعودية.
إن هجمات الحوثيين على مأرب تقتل المدنيين بمن فيهم الأطفال الصغار، وتعرّض أكثر من مليون يمني نازح داخلياً لخطر جسيم، وتعد الإجراءات الحوثية الأخيرة في مديرية العبدية أحدث مثال على تجاهل الحوثيين الصارخ لحماية المدنيين، ومن خلال ارتباطاتي مع الشعب اليمني، لا أزال أسمع باستمرار اليمنيين ينادون بالسلام، ولا يمكن للحوثيين تجاهل أصوات الناس المطالبين بوقف هذا العنف. هذه لحظة حاسمة بالنسبة إلى الحوثيين لإثبات أنهم يريدون حقاً السلام والأمن والاستقرار، ومستقبلاً مزدهراً لليمنيين.
> هل كان من الخطأ إزالة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية؟
- ألغت الولايات المتحدة تصنيف جماعة «أنصار الله» والتي يشار إليها أحياناً باسم الحوثيين من القائمة الإرهابية، وهو إجراء من أجل تجنب العواقب الإنسانية السلبية غير المقصودة، حيث يتم استيراد 90% من السلع الأساسية في اليمن، من قبل الشركات الخاصة. وبدافع الحذر الشديد، ربما تكون هذه الشركات ستنخرط في الامتثال للعقوبات، مما قد يشكّل تأثيراً كبيراً على الواردات إلى اليمن، وسيعاني اليمنيون أكثر من دون تلك الواردات.
ونواصل النظر في تصنيف أفراد وكيانات الحوثيين وغيرهم، ممن يموّلون عدم الاستقرار في اليمن عند الاقتضاء، بما في ذلك أولئك الذين يرتكبون فظائع ضد المدنيين.
> أدانت وزارة الخارجية مراراً وتكراراً تصرفات الحوثيين، لكن الجماعة تتجاهل دعوات السلام تلك. ماذا ستفعلون الآن بعد تجاهلهم؟
- الأمر يتطلب جهود المجتمع الدولي المشتركة لإنهاء هذا الصراع، لقد ساعدنا في بناء جبهة دولية أكثر اتحاداً ضد هذه الحرب، وسنواصل معاً المساعدة في توفير مساحة للناس لتقرير مستقبلهم. يستحق اليمنيون بديلاً أفضل للقمع والصراع المستمر. دور المجتمع الدولي هو المساعدة في تضخيم أصواتهم، ودعوتهم إلى السلام. وسوف نعطي الأولوية للتنسيق مع المجتمع الدولي، وذلك للدفع بقرار دائم من شأنه تحسين حياة اليمنيين.
> هل تعتقد أن مبادرة السلام للأمم المتحدة تعمل بشكل جيد؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف؟
- تدعم الولايات المتحدة بقوة جهود المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، لتطوير خريطة طريق لعملية سلام جديدة وأكثر شمولاً بقيادة الأمم المتحدة، رأيناه يسافر ويتعامل مع أطراف مختلفة، ويستمع إلى وجهات نظر متنوعة لتحقيق هذا الهدف، ونتطلع إلى سماع المزيد عن خريطة الطريق الخاصة به قريباً.
> إذاً ما الحل الواقعي على الأرض للصراع اليمني برأيك؟
- سوف يستغرق حل هذا الصراع بعض الوقت، لدينا الكثير من لبنات البناء موجودة بالفعل. ولكن، سوف يتطلب الأمر تضافر جهود المجتمع الدولي وتصميمه على إنهاء هذا الصراع. السلام في اليمن قد لا يكون سهلاً، لكننا نعلم أنه ممكن.
> إيران لها تأثير سلبي على الحوثيين وهو ما قلته سابقاً في خطاباتك، ما الذي يمكن فعله لتحويل هذا التأثير إلى إيجابي؟ هل تعتقد أن المحادثات بين السعودية وإيران قد تنعكس إيجابياً على اليمن؟
- تؤيد الولايات المتحدة الحوار بين دول المنطقة لمصلحة الأمن والاستقرار. ولكن بشكل عام، لم نرَ إيران تلعب أي دور إيجابي في اليمن، وقلنا ذلك منذ فترة طويلة، إذا أرادت إيران أن تُظهر أنها يمكن أن تكون جهة فاعلة ومسؤولة، فعليها أن تبدأ بإنهاء تدخلها في الصراع في اليمن
.