رشا ومحمود وطفليهما صورة لمآسي الحرب

الأخبار I منوعات

يقولون أنهم دفعوا حياتهم ثمناً لبعض ياردات من الأرض!!.. هذا هو ثمن الحرية، وضريبة الحرب !، الحرب التي " لا ناقة لنا فيها ولا جمل ".

كل جندي دافع ظناً منه أنه دفاع عن وطنه ولم يمت هباء منبثا .. وبدم الشهداء سقى أرض الوطن..

 

أنا لا أتحدث من منصة للدفاع ولا منبرِ للإعلام، ولا حتى أتحدث عبر وسائل التواصل كالفيس بوك لأناجي من في هذا الفضاء الأزرق، إنما أتحدث من بيتي وشقتي في إحدى العمائر من مديرية المعلّا التي بناها الإنجليز - حيا الله ذاك الزمان ! - في الدور الثالث بين أهلي وعائلتي وأظن أني آمنة مطمئنة فيها وبينهم.. لكني أشعر بالحرقة والحزن كلما تذكرت الوقيعة للأسرة الجميلة رشا ومحمود والطفل جواد ومولودة منتظرة في رحم والدتها.. رشا أم، أم على وشك أن تستقبل جنينها الذي كان يكبر في أحشائها شهورا تسعة للحياة بفرحة، تستقبلها الحياة البارحة بعبوة ناسفة وهي آمنة مطمئنة في أحضان عائلتها .. لترى طفليها طائرين في الجنة وتستشهد هي لا دفاعاً عن وطن، ولكن غدراً.. غدراً .. ويبقى زوجها مرقداً في العناية المركزة على أمل محبيه أن يصحو .. أرجوكم لا تدعوه يستيقظ، على ماذا يستيقظ ؟! على جثث هامدة متفحمة ومتفتتة .. قد تفتت قلبه في اللحظة التي انفجرت فيها حياته أمام عينيه .. ما الداعي إذن ؟! هو ميت في كلا الحالتين ..

 

لا أعرف رشا شخصياً وليست صديقة لي ولم أتعرف إليها من قبل لا هي ولا زوجها .. ولكن لماذا يجب أن يموت من يستحق الحياة ، ويعيش من لا يستحقها ؟!

 

هذه الحرب ليست سوى لجعل الوطن يشبه المقبرة ، مقبرة جماعية حيثما تسير تراهم يقتلون النساء والشيوخ والأطفال والأمهات الحوامل والأرامل .. 

بقيت استودع الله في كل حين عائلتي أن يبقوا في عين الله حفظاً حتى ونحن معاً في بيتنا .. لا أدري لعلّي أكون غداً أنا مكان رشا .. أو أي آخرى كمواطنة تعيش في بلادها بين أهلها ولا تدري بأي ذنب قتلت..

 

إن لم تكن هذه القضية التي يجب أن تهز الرأي العام ، فأي قضية يجب أن تفعل ؟! أن لم يتحدث عنها الإعلام في بلادنا ودولنا الغنية التي تريد مصلحة اليمن من كل حدب وصوب ، فعن ماذا يتحدث ؟!

عن فايروس كورونا المستجد الذي اغتال أغنياءهم في بيوتهم وسبب لهم الرعب والحزن والخسائر المالية التي لا يدرون كيف يعوضون عنها الآن ؟! عن ماذا يجب أن يتحدث الإعلام ؟ عن الكوارث الطبيعية التي تحصل في الكون بسبب صناعاتهم وأنانيتهم وجشعهم المستمر .. عن الأمل في بناء مشاريع سكنية توفر لمن يدفع لحكومتهم أكثر مساكن للعيش الرغيد ..

 

إن لم تهز هذه القضية رجالات الدولة وحماة الوطن الهاربين والمقيمين في الخارج ' رعاهم الله ' فماذا يجب أن يهزهم ويقض مضاجعهم ؟! إن لم يأت ' معتصم بالله ' لهذه الأم الحامل فمن يأتي لها ؟! .. متى بالله عليكم يعود رجالاتنا نسل حمير التبع الملوك الأوائل الأبيين ، أبناء قحطان وأحفاد سيف بن ذي يزن ، متى يعودون للوطن إن لم يكن هذا الوقت المناسب لهم ، فمتى ؟ إن لم يهزهم هذا الوقت الذي أصبح فيه الشعب لا يبحث ولا يفكر يالعلاج بل يبحث عن لقمة عيشه ، الوقت الذي أصبح فيه شراء الدقيق والأرز من الأمور المعجزة للمواطن .. الوقت الذي لم يعد يفكر فيه المرء بنفسه ، بل كيف يوفر لأبنائه لقمة يأكلونها آخر الليل ولو كانت قطعة خبز يابسة ، الوقت الذي باتت الأسر تخرج أبناءها من مدارسهم وتوقفهم عن إكمال تعليمهم لصعوبة العيش وكثرة التكاليف بعد أن أعلنتها منظمة اليونسكو في عام 1985 أن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحتل المرتبة الأولى في شبه الجزيرة العربية من حيث التعليم وأن نسبة الأمية فيها 2 % .. الوقت الذي لا يمكن لنا شراء صاعٍ من الحليب ولا كيس سكر لأن ثمنه غالٍ ، ولا يمكن للعسل أن يوجد في بيوتنا نحن اليمنيين ولا يمكن أن نتذوق طعم السمك رغم الموانئ والبحر الذي يحدنا من جهتيه لأنه طبعاً ليس برخيص !

 

اليمن البلد المنعم بالخيرات ، البن اليمني والعسل الدوعني الفواكه بأنواعها والأبقار والأغنام الراعية والأسماك المتنوعة والممتدة على سواحلها وووو .. ومع ذلك يبقى المواطن حائراً لا يعرف كيف يوفر قوت يومه .. البلد الذي يحتفل بالظلمة طول الوقت وفواتير الكهرباء في أزدياد ، البلد الذي تنبع فيه العيون العذبة والآبار والأنهار والسيول ومازال أغلب ساكنيها لا يصل لبيوتهم الماء وينزحون بحثا عنه بطرق بدائية ، وينتظرون صفوفاً طويلة لأجل دبة بترول وغاز .. البلد الذي سمعنا عنه سابقا ولم نتمكن من أن نشهد عليه كم كان غنياً بالثروات والخيرات وأخرج الأئمة الفقهاء والشيوخ الدعاة وأخرج من رحم معاناته الشعراء والمثقفين ورسموا لنا صورة الوطن بحبر قلوبهم قبل عيونهم ..

 

أسفي على جرح السعيدة الدامي في رحمها .. قضية رشا ومحمود ليست مجرد قضية للرأي العام ويتحدث فيها الإعلام ليومين وتنسى ، بل أصبحت صوتاً لكل أم خائفة على أطفالها وتستودعهم الله كلما ذهبوا للمدارس أو للعب ولكل امرأة متزوجة وتخاف على أسرتها وكل أرملة ومسنة وعجوز تبكي على سجادتها تدعو الله وتقول اللهم عمر بلادي .. عمر بلادي بالخير لا بالخراب وبارك لنا في بلادنا بالسلام لا بالحرب .. وصوتاً لكل مواطن لا يعلم أن خرج من عقر داره هل يعود لينام قرير العين في بيته بين أحضان عائلته أم ينام قرير العين في قبره .. 

لست أظن ولكني أعرف أني من الجيل الذي لن يقول غداً - وسأحمد الله إن وصلت لشيبتي .. 

ألا ليت الشباب يعود يوما !!!