اليمن: التوق إلى السلام من نافدة الثقافة

الأخبار I أخبار وتقارير

تواصلت منذ الخميس الماضي على مدى ثلاثة، في مدينة عدن القديمة أعمال المعرض الفني الذي تنفذه مؤسسة "عدن أجين- Aden Again" تحت عنوان "Regathered". ويشمل المعرض أعمالًا فنية متنوعة بتوظيف فني وتقني بديع ومتداخل لفنانين من أعمار يافعة من الجنسين، وذلك من خلال جملة من الأعمال المعروضة والمترجمة لمعاناة الواقع العدني وتطلعات الأهالي التواقة إلى السلام.

قبل وصولي إلى المعرض رسمت صورًا لما يمكن أن يتم عرضه في هذه الفعالية، لكن تسابقت إلى ذهني صورًا متلاحقة استحقت مني التفكير. كما نال بعضها في نفسي مشاعر الأسى والحزن. لكن تعاظمت مشاعر الفرح والأمان في النفس؛ بل والزهو بالقائمين جميعًا على تنفيذ هذا العمل، وأنا أتفحص الأعمال المعروضة، بل وقدرة المنفذات/والمنفذين للعمل على تقديم الحجة المقنعة لهذا العمل والدفاع عن فكرته، التي ترجمت إلى أعمال معروضة ازدحمت بها قاعة العرض.

تلك الأعمال دلت على ثقة كبيرة في اختيار الفكرة والتدرب عليها من قبل الفنانات والفنانين على تنفيذ المشروع وترجمة هذه الأفكار فنيًا إلى عمل يحاكي الواقع المعاش في مدينة عدن. هذه المشاعر التي صاحبتني في أثناء تجوالي في المعرض أوجز توصيفًا لها في هذه السطور.

-لم يكن اختيار معهد جميل غانم للفنون موقعًا لهذه الفعالية اعتباطًا أو مستعجلًا، لكنه يحمل دلالات هذا الموقع التاريخي والثقافي التي لا تنكرها عيون القادمين إلى المعرض أو ذاكرتهم ممن عاشوا تجربة هذا المعهد وعطاءاته في سابق عهده، بل وعلاقاته السابقة التي أسست لفعاليات متبادلة بين اليمن الديموقراطية والبلدان العربية ودول المنظومة الاشتراكية، وبموجبها أرست تقاليد ثقافية وأخلاقية داعمة في المجتمع. وكنتيجة لنشاط هذا المعهد حصدت عدن التقدير العالمي والجوائز والحضور الثقافي الدولي والعربي الذي لم نعد اليوم نرى له مثيلًا.

- اتسمت الأعمال المعروضة بغلبة الحضور النسائي الكبير المشارك في الأعمال الفنية المعروضة، والذي أثمنه بفاعلية واستشعر فيه يحمل رسالة مضمونها " النساء هنا " يرفعها إلى كل الساعين إلى إقصاء النساء واختزال أدوارهن وتحديد وظيفتهن واستخدام حضورهن الضعيف اليوم كنوع من تجميل صور الأوساط الرسمية والحزبية وإضفاء ملامح التأييد فقط. 

- اختزلت موضوعات المعرض في جدران الصالة "" معاناة عدن"، وكأن هؤلاء الفنانين يرفعونها في وجوه رواد المعرض، ليحملوها إلى الطاولات المسؤولة ""وقد شملت" موضوعات هذا المعرض عناوين مختلفة "" سلسلة الهجرة، سلسلة الخدمات، سلسلة السلوكيات المجتمعية الدخيلة على مدينة عدن، سلسلة أخذ بلا عطاء، سلسلة معاناة، سلسلة محن، سلسلة الجدار، سلسلة زومبي باليمني، وسلسلة التجرد من الإنسانية ". 

- كان للطفولة في هذا المعرض تعبيرها بالكلمة عن معاناتها عما تلاحق أمامهم من ويلات، وذلك من خلال سطور مدهشة في النص التعبيري الكتابي تجاوزت سنواتهم البكر وأجسامهم النحيلة، تحت عنوان " سلسلة أطفالنا على كراسة، سلسلة الكتابة على الجدران ولسلة العلم وما أدراك ما العلم ". 

- ضمّ المعرض جناحًا من الأعمال الفنية الخشبية لمناظر من المواقع التاريخية لعدن، تحمل رسالة " مؤسسة عدن أجين " الساعية إلى استعادة الهوية الثقافية لمدينة عدن.

- غابت عن المعرض نخب مجتمعية وثقافية ومنظمات مدنية وحضور أهلي داعم كان سيحمل حضورها دعوة للسلطات الرسمية بكل أطرها للرعاية الجادة والاهتمام المسئول" لمعهد جميل غانم" باعتباره معلمًا ثقافيًا لعدن والتراث الإنساني العالمي، وفقًا لتصنيف اليونسكو للتراث الإنساني". وقد خدم هذا المعهد الأنشطة الفنية والثقافية في عدن واليمن ودول الجوار". وكان حضور هذه الفئات سيعزز في المجتمع رسالة جوهرها أن " الثقافة عنوان السلام"، لأن الأنشطة الثقافية تستهدف الذات البشرية أولًا وتطهرها من أدران السياسة وسلوكيات الحقد والعبث، وتستثمر كل جميل في عدن للصالح العام.

- يتقاسم معهد جميل غانم، في وضعه العام، مع كل الأعيان الثقافية ملامح البؤس وسلوكيات الإهمال وانقطاع الخدمة الكهربائية وغياب اليد الرسمية عليه وعدم التوظيف الثقافي والاستثمار لدوره، وهو بشكل عام وضع مستهجن في إدارة الموروث الثقافي العام في كل مدن محافظة عدن بكل أشكاله وتوظيفه واستثماره، وكأن الثقافة بكل مكوناتها خارج الرؤية الرسمية " إن وجدت في الأصل لدى الحكومة والسلطات رؤية محددة في صونها وإدارتها وتوظيفها".

- عكس هذا المعرض حقيقة أن " الحق لا يسقط بالتقادم " فما بالكم والظلم الذي ترجمته أعمال الشباب في هذا المعرض مازال مكانه في النفوس لم يغادرها عبّر عنه الشباب في أعمالهم، إنه ظلم طال فيه الأذى كل جميل في عدن، بل وزرع الأسى في نفوس أبنائها الذين يترجمونه في أعمال فنية ماثلة أمامنا في هذا المعرض