لقد زحفت الشبكة العنكبوتية في العقدين الماضيين ، إلى المدينة والريف ، فدخلت كل بيت ، ثم قامت بنثر خيوطها على جميع أفراد الأسرة صغارا وكبارا ، ومن المؤكد أن النقلة التقنية الحديثة للجوال الذي أسهمت في سرعة نقل سحر هذه الشبكة وانتشارها بين جميع أفراد المجتمع ، والتي لم تأت من فراغ بل كانت ضمن مخطط شركات صناعة الانترنت كي تتمكن من نشر شبكتها وغزو عقول جميع سكان الأرض والتأثير في صياغة وعيهم، لذا عملت على تحويل جهاز الأتصال الصغير لجهاز شبيه بكمبيوتر يُحمل في الجيب، ويتمتع بجميع ميزاته وعلى رأسها أرتباطه بشبكة الإنترنت ، وسهولة الولوج لجميع وسائطه، لذا حازت ميزة الإنترنت في الهاتف الجوال على المقام الأول فصارت هي الأكثر أهمية ، وصار الأتصال التلفوني مجرد هدف ثانوي .
لا غرو أن يتعارض اسم الشبكة العنكبوتية مع فعلها ، فالخيوط الحقيقية لبيت العنكبوت واهنة وضعيفة بينما الشبكة العنكبوتية التي لم يكن لها من اسم العنكبوت نصيب، فهي شبكة خيوطها أكثر قوة فقد ربطت العالم وجعلته قرية ، كما تدلّت خيوطها لتشبك زوارها بسلاسل متينة ومتنوعة الأطراف فهناك طرف منصات التواصل الاجتماعي والذي قيد مئات الملايين من البشر وشبكهم بخيوطه أو قيوده الوثيقة، وهناك عالم جوجل لتصفح الأخبار والأطلاع على جديد الصحف والمواقع فتقرأ وتسمع وتشاهد كل ما ترغب فيه، وعلاوة على ذلك فتح سوقه المجاني ليعرض فيه برامج تعليمية وترفيهية مختلفة الأصناف يبرز عناوينها بصور جاذبة كفراشات جميلة بألوان زاهية ، إنه عالم ساحر صممته عقول استعمارية كي تسيطر على العالم فتخلط بعض منافع الشعوب بمصالحها الخفية والعصية ، فتهيمن على الشعوب وتخترق الأنظمة السياسية لدولهم ، وهي بعيدة عن الأرض ولكنها تصل حيث تريد عبر خيوط العنكبوت المتشعبة والطويلة.
لا شك أن انقطاع النت لأربعة أيام متواصلة ، والذي يصلنا عبر الكابل البحري ، الذي لا تزال تتحكم فيه المليشيات الحوثية ، قد خلق فراغ وبعض أجواء الحزن المتفاوت عند المواطنين اللذين فقدوا هذه الخدمة، مع أن هناك قلة لديهم أشتراك بخدمة عدن نت المستقلة عن ذلك الكابل ، والتي ظلت تعمل خدمتها ولكن عدد مشتركيها قليل، فهي لم تمنح المواطنون التسهيلات اللأزمة حتى يتسع انتشارها، لذا حُرم مشتركوها من التواصل مع الطرف الآخر الفاقد لخدمة النت والذي يشكل الغالبية ، وهذا الأمر خدش جزء من أهمية الانتفاع بهذه الخدمة التي كان يفترض أن تكون أكثر انتشارا بين الناس في المحافظات المحررة.
هناك حكمة لفيلسوف فرنسي تقول ، أغمض عينيك تبصر ، لذا كنت أظن أن انقطاع الشبكة العنكبوتية التي غشت أبصار الناس عن مشاهدة شاشة التلفزيون من خلال سيطرتها بميزة قرب الجهاز الجوال وملاصقته للناس ، فسوف يكون في أنقطاع هذه الشبكة صحوة للعودة ومشاهدة بعض من الأعداد الهائلة من القنوات الفضائية ، ولكن أتضح أن سحر هذه الشبكة باق وقوي ، لم ولن يفيد غمض العين عنها في نسيانها ، كما أن القنوات الفضائية لا تستطيع خطف الأبصار ومحو سحر هذه الشبكة، لذا ظل الكثير من الناس يبحثون عن هذه الشبكة في كل الأوقات ، وكأن المفقود أحد أفراد الأسرة !، وهناك من قال صرت أعيش في فراغ ، فأنام كثيرا ليلا ونهارا ، بعد أن فقدت الإنترنت حتى مللت من السرير ، وربما السرير ضجر مني