منذ بداية حروبها في اليمن عام 2004، اعتمدت مليشيا الحوثي المتمرّدة المدعومة من إيران، على الألغام والعبوّات المتفجّرة بأنواعها كسلاح رئيسٍ في معركتها المفتوحة ضد اليمنيين.
ومع بداية توسّعها خارج محافظة صعدة، شرعت وبدعم من خبراء الحرس الثوري الإيراني بإنشاء مصانع ومعامل خاصة بصناعة الألغام والعبوّات المتفجّرة بمختلف أنواعها وأشكالها.
وطيلة السنوات السبع الماضية، دأبت على زراعتها بكثافة في البر والبحر؛ لتحوّل البلاد إلى "أكبر دولة ملغومة في العالم" بعد أن كانت على وشك إعلانها رسميًا بلدًا خاليًا من الألغام بداية 2014 إثر عقود من عمليات التطهير المضنية والمُكلفة.
وإضافة إلى تقييد حركة اليمنيين اليومية وتنقلاتهم الداخلية بين المحافظات، لا يكاد يمر يوم دون أن تتسبب هذه الألغام بسقوط ضحايا من المدنيين سواء في الطرقات أو المزارع أو الممرات الفرعية في القرى والمدن، وشملت حتى المواشي في القفار والحيتان في البحر.
على رأس القائمة
وتأتي الألغام والعبوات المتفجّرة البرّية والبحرية على رأس قائمة الأسلحة التي حرص النظام الإيراني على تزويد وكلائه (الحوثيين) بها منذ بداية تدخّله في اليمن قبل نحو عقدين.
وفقاً لمصادر مطّلع فأن الدعم الإيراني للحوثيين في هذا الجانب، تنوع بين تزويدهم بالمكوّنات التي تدخل في صناعة الألغام، عبر تهريبها برًا وبحراً، وإرسال خبراء لتقديم المساعدة الميدانية لهم؛ بما فيها إنشاء معامل تصنيع الألغام ومراكز تدريب العناصر الحوثية على التعامل معها.
مضيفة أن إيران هرّبت العشرات من خبراءها إلى اليمن بحراً عبر السواحل اليمنية، وكثير منهم كانت قد نقلتهم عبر الجسر الجوّي بين مطاري طهران وصنعاء الذي دشّنت في مارس 2015؛ بمعدل 14 رحلة أسبوعياً، بناء على اتفاق وقّعته مع وكلائها الحوثيين. والذي رفضته- حينها- الحكومة اليمنية، واعتبرته انتهاكاً للسيادة اليمنية وتدخلاً سافراً في الشأن اليمني.
الشحنات الأولى
يؤرّخ لأوّل عملية تهريب أسلحة إيرانية إلى اليمن، بالشحنة الضخمة المشهورة بـ«جيهان1» والتي ضُبطتها الأجهزة الأمنية قبالة سواحل محافظة المهرة، في يناير 2013.
وحينها، كشفت الداخلية اليمنية أن الشحنة كانت قادمة من إيران، وتضم إلى جانب الأسلحة المتنوعة: 2.6 طناً من المادة شديدة الانفجار (RDX)، وأكياس سعة 25 كجم بداخلها مسحوق مواد متفجرة «سوربيتول» بكمية 1250 كجم، وأكياس سعة 20 كجم بداخلها 3000 كجم مسحوق تفجير، وأكياس أخرى تضم 16716 قالب بداخله مادة متفجرة «C4» شديدة الانفجار.
ووفقاً لبيان الداخلية، فقد ضمّت أيضاً 200 جهاز تفجير كهربائي، و800 صاعق لتفجير العبوات الناسفة، وكمية كبيرة من مواد تجهيزات صناعة العبوات الناسفة (أجهزة تفجير- مؤقت تفجير- فيوزات- مواصلات- كابلات)، و800 كبسولة تفجير، و402 حقائب تفجير متكاملة. وكذا 50 منظومة تفجير (دوائر كهربائية), و200 وحدة تحكم بالتفجير عن بعد، و310 جهاز تعريفي للمتفجرات، و132 توصيلة للأجهزة المفجرة، و186 جهاز من أجهزة التفجير النافذة.
وفي البيان ذاته، كشفت الداخلية عن شحنات إيرانية سبقت "جيهان"، وشملت معدات تصنيع أسلحة ومتفجرات وضبطتها أجهزة الأمن أثناء محاولة إدخالها إلى الاراضي اليمنية. ومن هذه الشحنات حاويتين احتجزتها أجهزة الأمن بميناء عدن تضمان قضبان وأنابيب ألمونيوم وألواح نحاسية بمقاسات مختلفة. ووفقاً للبيان فإن هذه المواد تدخل في صناعة المقذوفات والمتفجرات. إضافة إلى مكابس يمكن استخدامها في كبس المقذوفات المتفجرة والمضادة للدروع.
صعدة.. مصنع كبير للموت
ومن خلال سلاسل الإمدادات الإيرانية والخبراء، تمكّنت المليشيا الحوثية من إنشاء عشرات المعامل لصناعة الألغام والمتفجّرات بمختلف الأحجام والأشكال والأهداف ونشرها في البلاد.
وتقول مصادر عسكرية وأمنية وأخرى حقوقية أن صعدة تضم أكبر عدد لمعامل صناعة الألغام والمتفجّرات أنشأتها مليشيا الحوثي في عدة مناطق بالمحافظة، قبل أن تقوم بعدها بإنشاء مصانع أخرى في صنعاء وحجّة والحديدة لمضاعفة إنتاج الألغام وتطويرها لتغطية حاجتها المتصاعدة للفتك باليمنيين وتجويعهم.
وفي يونيو 2019، عثرت قوات الجيش على أحد المعامل في صعدة على إثر تقدمها في مديرية باقم شمال غرب المحافظة، ويضم نحو ألفين لغم فردي بمختلف الأحجام والأشكال، وفقاً للفرق الهندسي الذ تفحّص المكان وتحدّثت، حينها، لوسائل إعلام محلية وعربية.
وحينها، تداولت وسائل الإعلام صورًا ومشاهد فيديو لأحد مخازن الألغام الحوثية داخل أنفاق أرضية بمنطقة علب، وتظهر الصور أنواع الألغام منها ألغام مغطاة بالبلاستيك المقوى، بهدف تحييد أجهزة كشفها وعرقلة عمليات المسح الميداني.
ووفقاً للفريق الهندسي فإن تلك الألغام مزودة بأجهزة حديثة الصنع طورها خبراء إيرانيون. ومبيّناً أن نصف تلك الألغام فردية ومصنعة يدويّا وأخرى عبوات تماثل طبيعة صخور صعدة، إضافة إلى ألغام مضادة للدروع وأخرى مزودة بدواسات مضادة للأفراد.
فروع وشبكات ألغام
وضمن عمليات التوسّع الصناعية خلال السنوات الأخيرة، تقول المصادر إن المليشيا الحوثية أنشأت عشرات المعامل والورش في صنعاء والحديدة، وبالإضافة إلى صناعة الألغام والعبوات الأرضية استخدمتها أيضاً لتجميع وصناعة الألغام البحرية بمختلف أنواعها وأحجامها، وكذا تفخيخ القوارب والمراكب البحرية.
ولتغطية حاجتها لتشغيل هذه المعامل وإنتاج الكمّيات مطلوبة، تقول المصادر إن المليشيا أجبرت مهندسين وخبراء يمنيون كانوا يعملون في المؤسسات الحكومية للعمل بعض المصانع والورش التي أنشأتها مؤخراً. مضيفة أنهم يعملون حالياً تحت إشراف عناصر حوثية سبق وأن تلقّت تدريبات على يد خبراء الحرس الثوري.
وأضافت أن المليشيا استغلّت مقدرات المركز الوطني لمكافحة الألغام الخاضع لسيطرتها في أنشطتها لصناعة الألغام وكذا استجلاب دعم المنظمات الدولية لتمويل عملياتها لإنتاج الألغام وزراعتها.
كما تنفّذ حمّلات لجباية الأموال وجمع تبرعات من التجّار والمواطنين تحت مسمّيات مختلف وتسخّيرها لصناعة الألغام وتمويل عمليات زراعتها في المدن والأرياف اليمنية، وفقاً للمصادر.
أكبر بلد ملغوم
وتبيّن تقارير الفرق الهندسية الميدانية أن عمليات زراعة الألغام من قبل المليشيا الحوثية غطّت كل المدن والقرى والأرياف التي وصلت إليها وشملت الجبال والسهول والوديان والصحاري والقفار وصولاً إلى السواحل والجزر اليمنية في البحر الأحمر على امتداد السواحل الغربية.
ووفقاً لمصادر أمنية فإن مليشيا الحوثي استغلّت الأطفال والنساء- تحت التهديد أو بإغراء المال- في زراعة الألغام والعبوات الناسفة في المدن التي دُحرت منها أو التي لم تستطع الوصول إليها، لزعزعة استقرارها أو لاستهداف قيادات سياسية وعسكرية وأمنية وقبلية من خصومها.
ويقدر مدير البرنامج الوطني لمكافحة الألغام أمين العقيلي، أن الحوثيين زرعوا "أكثر من مليون لغم متعدد المهام". مشيراً في مقابلة مع وكالة شينخوا الصينية، إلى أن "اليمن يواجه كارثة إنسانية نتيجة حقول الألغام العشوائية المنتشرة في مساحات واسعة من البلاد".
وأكد المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن "مسام" أن مليشيا الحوثي حوّلت "الأراضي اليمنية إلى حقول موت ومقابر جماعية لأبناء البلد".. مؤكّداً في بيان نشره بموقعه الإلكتروني في مايو 2020، أن هذه الألغام تستهدف جميع شرائح المجتمع اليمني "دون استثناء"، لافتاً إلى أن هذه الممارسات "تعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي وتهديدًا للمدنيين حاضرًا ومستقبلًا".
ويصنف برنامج (ACLED) الدولي اليمن بأنها "أكبر دولة ملغومة" في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. مشيراً في تقرير أصدره مطلع العام 2019، إلى أن الألغام المجهولة والأجهزة المتفجرة البدائية (العبوات الناسفة) لا تزال تشكل خطراً على اليمنيين في جميع أنحاء البلاد.