منذ نحو خمس سنوات، بدأت مليشيا الحوثي بنشر ألغام بحرية عائمة في المياه الدولية على امتداد سواحل اليمن الغربية، في خطوة شكّلت تهديداً حقيقياً لنشاط الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب رابع أكبر ممرات النقل البحري في العالم.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، نشرت المئات من الألغام البحرية بمختلف بأنواعها، وبطريقة عشوائية تسببت بسقوط ضحايا من الصيادين اليمنيين والمصريين وبانفجارات في سفن تجارية، وطالت أضرارها حتى الكائنات البحرية.
وأكد مصدر في دائرة الهندسة العسكرية لمعد التقرير أنه "لا يوجد أي معلومات أو إحصائيات دقيقة عن عدد الألغام العائمة التي نشرتها حتى الآن، وأيضاً لا يوجد أي جهة محلية أو دولية تختص بمسح القطاعات المائية وانتزاع الألغام منها".
وتظهر مشاهد مصوّرة تداولتها وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية ألغامًا بحرية عملاقة كانت قد عثرت عليها القوات الحكومية في السواحل الغربية لمحافظات حجة والحديدة وتعز، وكذا قوارب مفخخة تتحكم بها المليشيا الحوثية عن بعد، وجميعها لم تكن ضمن أسلحة الجيش اليمني سابقاً.
أشكال وأحجام متعددة
وتحدث المصدر عن ثلاثة أنواع من الألغام البحرية تستخدمها مليشيا الحوثي حتى الآن، تختلف في أشكالها وأحجامها بحسب الأهداف التي صنعت من أجلها. والنوع الأولّ من هذه الألغام "اعتراضية وموجهة" وتختلف في ارتفاعها وأحجامها، وبعضها تشبه السخّان. ويضم مواد شديدة الانفجار ويزن أكثر من 40 كجم.
والنوع الثاني "ألغام طافية" بدائية الصنع تشبه في شكلها عبوات الغاز المنزلي، وتأتي بأحجام وارتفاعات متعددة، وأكبرها يزن 70 كجم، وبعضها مزوّده برأسين أو أربعة رؤوس تفجير.
والنوع الثالث أصغر حجماً، أحدها على شكل طبق وتسميه "النازعات" وآخر في شكل مخروطي تسميه "ثاقب" وفقاً للصور التي استعرضتها مليشيا الحوثي في صنعاء مؤخّراً. ولم يسبق أن أعلنت المليشيا استخدام هذا النوع من الألغام في عملياتها البحرية.
ووفقاً للمصدر فإن النوع الأخير من الألغام يأتي مدمج مغناطيسياً وتقوم المليشيا بإلصاقه أسفل السفن عبر وحدات بحرية خاصة وتتحكّم به وتفجره عن بعد.
ترسانة الألغام البحرية
وكانت مليشيا الحوثي قد أعلنت لأوّل مرّة امتلاكها لغماً بحرياً في أكتوبر 2018 من خلال فيلم وثائقي أسمته "البحر المسجور" عرضت خلاله مشاهد لعناصرها فيما أسمته "وحدات التصنيع العسكري" أثناء قيامهم بصناعة ألغام بحرية نوع "مرصاد".
وقبلها، كانت وسائل إعلام حوثية قد نشرت مشاهد مصوّرة لعناصر من مليشيا الحوثي تقوم بعملية زراعة ألغام بحرية من ذات النوع وربطها بالسلاسل في مراس غير ثابتة في البحر الأحمر قبالة سواحل الحديدة.
وفي مارس 2021، استعرض الحوثيون عدداً كبيراً من الألغام البحرية تضم 11 شكلاً أسمتها: "كرار1- كرار 2- كرار 3- عاصف 2- عاصف 3- عاصف 4- شواظ- ثاقب- أويس- مجاهد- النازعات". وبهذا تكون قد امتلكت 12 شكلاً ونوعاً من الألغام البحرية بإضافة إلى النوع السابق "مرصاد".
أسماء وصور
وفيما يلي قائمة بأسماء وصور الألغام البحرية التي أعلن الحوثيون امتلاكها، واستعرضوها في معرض أسلحة بصنعاء في مارس 2021، فقاً لما نشرته وسائل إعلام حوثية.
كرار1 https://i.postimg.cc/bJydG0qJ/image.jpg
كرار2 https://i.postimg.cc/W4j1KmFn/2.jpg
كرار3 https://i.postimg.cc/WzDNrXC2/3.jpg
عاصف2 https://i.postimg.cc/wvG98PKC/image.jpg
عاصف3 https://i.postimg.cc/CxCFjZPf/3.jpg
عاصف4 https://i.postimg.cc/vZv4GSdj/4.jpg
ثاقب https://i.postimg.cc/Kz1jrGgS/image.jpg
أويس https://i.postimg.cc/63Zwpyv3/image.jpg
مجاهد https://i.postimg.cc/rFNV40YR/image.jpg
النازعات https://i.postimg.cc/yNd8s1jg/image.jpg
مرصاد https://i.postimg.cc/7hPBQRwk/D42-R7e-W0-AEWco-D-0.jpg
ضحايا من الصيادين
ووصف المرصد اليمني للألغام، الألغام البحرية التي استعرضها الحوثيون بصنعاء، بالتطور المثير للقلق. مؤكداً أنها "تمثل تهديدًا كبيرًا لحياة الصيادين وللملاحة الدولية في البحر الأحمر".
ولفت المرصد اليمني إلى أن الألغام البحرية التي نشرها الحوثيون في سواحل الحديدة سابقاً تسببت في مقتل وجرح عشرات الصيادين".
ومنذ يوليو 2018 وحتى يناير 2019، تسببت الألغام البحرية المتحركة التي نشرتها المليشيا الحوثية قبالة ساحل الحديدة في مقتل ما لا يقل عن 13 صياداً، ووفقاً لبيانات مشروع برنامج (ACLED) المتخصص بجمع بيانات مناطق النزاع حول العالم.
وفي فبراير 2020، أعلن التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية، مقتل ثلاثة صيادين من الجنسية المصرية وجرح ثلاثة آخرين؛ بانفجار لغم بحري حوثي. وحتى ذلك التاريخ، قال التحالف إن قواته البحرية اكتشفت ودمّرت "137 لغمًا بحريًا" قامت المليشيا الحوثية "بزراعتها ونشرها عشوائياً بمضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر". مشيراً إلى أن استمرار الحوثيين في نشر وزراعة الألغام البحرية يمثل تهديدًا حقيقيا لحركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية".
وفي ٢٠ أبريل من العام ذاته، قتل صياد يمني يدعى وهيب محمد حسن، بانفجار لغم بحري أثناء ذهابه للاصطياد في ساحل الطور بمديرية بيت الفقيه جنوبي الحديدة.
وإضافة إلى ذلك، ألحقت الألغام البحرية الحوثية أضراراً مادية بفئة الصيادين سواء مباشرة تعرّضت لها زوارقهم أو تحجيم مصدر رزقهم بسبب القيود التي تفرضها الألغام على نشاطهم، وفقاً لتصريحات صيادين.
ألغام إيرانية
وفي يونيو 2021، أعلنت الفرق الهندسية التابعة للقوات المشتركة المنتشرة في الساحل الغربي، العثور على شبكة ألغام بحرية كانت مثبتة في قاع البحر بكابلات خاصة. مضيفة أن هذه الشبكة "تحمل بصمات الحرس الثوري الإيراني وخبراء ميليشيا حزب الله اللبناني".
وقالت الفرق الهندسية إنها سبق وأن انتزعت وفككت كميات كبيرة من الألغام البحرية نوع "صدف" إيرانية الصنع، كانت المليشيا قد نشرتها في مناطق الصيد والسواحل اليمنية. فيما تسعى حالياً لتطهير "المناطق البحرية الحساسة والقريبة من ممر الملاحة الدولي".
وفي 25 ديسمبر 2020، ارتطم أحد هذه الألغام بسفينة شحن تجارية جنوب مياه البحر الأحمر، ونتج عنه أضرار في مقدمتها، دون خسائر بشرية، وهو اللغم الرابع خلال 24 ساعة، فقاً لوسائل إعلام نقلاً عن التحالف.
وكان فريق الخبراء الأممي قد حقق في ثلاثة ألغام بحرية عُثر عليها في ميناء المخا. مبيّنًا في تقريره للعام 2017، أنها "تتطابق من حيث الشكل والحجم مع ألغام "القاع" البحرية الإيرانية الصنع، والتي رصدت لأول مرّة بمعرض أسلحة إيراني في أكتوبر 2015.
تهديد النقل البحري
وإضافة إلى ذلك، تسببت الألغام البحرية في حوادث متعددة طالت السفن التجارية والناقلات البحرية. وحتى بداية 2022، تعرضت 22 سفينة تتبع خمس جنسيات (سعودية وإماراتية، وتركية، ويونانية، وجزر مارشال) لاعتداءات حوثية بالصواريخ والزوارق المفخخة والألغام، إضافة إلى اعتداءات أخرى استهدفت موانئ تجارية يمنية وسعودية، وفقاً لتقرير الثورة نت.
وأواخر ديسمبر 2021، قال ناطق التحالف تركي المالكي، إن مليشيا الحوثي "هددت الملاحة البحرية بأكثر من 247 لغمًا بحريًا"، مستعرضًا أدلة قال إنها تثبت ضلوع حزب الله اللبناني الموالي لإيران في تقديم الدعم الميداني للحوثيين لاستهداف المملكة وتهديد الملاحة الدولية.
وكان فريق الخبراء البارزين المعني باليمن، قد أشار في تقريره للعام 2018، إلى أن "مستوى التهديد المحدّق بالأمن البحري في البحر الأحمر عالياً جداً". موضحاً أن الخطر على النقل البحري التجاري ازداد مع "استخدام الحوثيين منظومات أسلحة تتطور بشكل متزايد".
وقال فريق الخبراء، إن الحوثيين زادوا من "نشر الألغام ضد كل من السفن المدنية والعسكرية العاملة في البحر الأحمر". مؤكّداً أنهم شنّوا "هجمات متكررة على ناقلات نفط تبلغ حمولتها 2,2 مليون برميل من النفط الخام، وكان يمكن أن يؤدي أي من هذه الهجمات إلى كارثة بيئية واقتصادية لليمن والمنطقة".
انتهاك للقانون الدولي
وأشار فريق الخبراء الدوليين إلى أن "هناك خطر يهدد الاتصالات البحرية في البحر الأحمر" جراء الألغام البحرية التي تنشرها مليشيا الحوثي. موضحاً أن مدّة التهديد الذي تشكّله هذ الألغام قد تتراوح بين 6 إلى 10 سنوات.
وعلاوة على ذلك، يؤكّد فريق الخبراء أن الهجمات الحوثية على "السفن التجارية التي تقل العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية يمكن أن تعرقل بشكل خطير إيصال المساعدات الإنسانية في اليمن". مؤكّداً أن "هذه الهجمات تشكّل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني".