أعلن البنك المركزي الروسي مؤخرا عن شرائه الذهب من البنوك التجارية الروسية في الفترة من 28 مارس وحتى 30 يونيو بسعر ثابت وقدره 5000 روبل للجرام الواحد. يعني ذلك ربط الروبل الروسي بالذهب، على الأقل بالحد الأعلى لسعر صرفه.
و بلغ سعر الذهب في الأسواق العالمية، ليوم أمس الثلاثاء 5 أبريل، 1930 دولار للأونصة الواحدة، أي 62 دولار أو 5208 روبل للجرام الواحد، بمعدل 84 روبل لكل دولار.
من هذه الصيغة، وبسعر الذهب الحالي، يجب أن تكون قيمة الدولار 80.64 روبل لكل دولار واحد.
حسنا، دعنا نضيف روبلين آخرين للمعاملات ومصروفات البنك الأخرى. يعني ذلك أنه إذا ظل سعر الذهب مستقرا، فإن سعر الصرف الحالي للروبل عند مستوى 83-84 روبل للدولار الواحد هو سعر مناسب تماما.
فإذا ما ارتفع الروبل كثيرا، على سبيل المثال، حتى 75 روبل لكل دولار، سيصبح من المربح للبنوك شراء الذهب من الخارج ونقله إلى روسيا لبيعه إلى البنك المركزي، وبأحجام يمكن أن تؤثر على سعر صرف الروبل نحو انخفاضه، فينخفض سعر صرفه حتى يجعل واردات الذهب غير مربحة.
وهنا من الضروري مراعاة الظروف التالية: فيما يتعلق بنمو الأسعار العالمية للمواد الخام، ووفقا لجميع التوقعات، سينمو دخل روسيا من التجارة الخارجية بقوة.
وتقدر "بلومبرغ" أن عائدات الطاقة الروسية سترتفع إلى 321 مليار دولار هذا العام، بزيادة 35% عن العام الماضي. في الوقت نفسه، فقد انهارت الواردات، ما يعني أن تدفق الدولارات واليورو إلى روسيا قد ارتفع، دون إمكانية لإنفاقها، ليظهر مرة أخرى فائض هائل من العملة.
لقد انتقدت المخطط الذي تم تقديمه لدفع ثمن الغاز بالروبل على وجه التحديد لهذا السبب، وهو أن البنك المركزي لم يشر إلى ما يجب فعله بالمبالغ الهائلة من الدولارات واليورو التي ستراكمها روسيا في الأشهر المقبلة. يعني ذلك أيضا إمكانية تعزيز الروبل بقوة حتى مستوى 60-70 أو حتى 50 روبل لكل دولار، وهو أمر غير مفيد لروسيا، لما يحمله من خفض للقدرة التنافسية لبضائعها، ويحتاج البنك المركزي منع ذلك. مع ذلك، فقد حصلنا على الإجابة الآن.
في السابق، كان فائض العملات الأجنبية موجها لشراء التزامات ديون الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرها، أي إلى الاحتياطيات.
الآن، أصبح ذلك محفوفا بالمخاطر أولا، وثانيا، أصبح من غير المربح، في ظل التضخم المتسارع، الاحتفاظ بالمال بالدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني.
لم يعد لدى روسيا ليس فقط حاجة لبيع الذهب (الذي يعتزم الغرب حظره)، وإنما يبدو أن روسيا ستبدأ في امتصاص الذهب من الأسواق العالمية مثل المكنسة الكهربائية في الأشهر المقبلة، لمنع تعزيز الروبل أكثر من اللازم في نفس الوقت.
أي أن العقوبات الغربية ستؤدي إلى نتيجة عكسية لما توقعه الغرب. علاوة على ذلك، يبلغ احتياطي الذهب الأمريكي 8133.5 طنا، إذا لم يكن الاحتياطي الفدرالي بالطبع يكذب علينا، حيث جادل بعض الخبراء لعدة عقود بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أنفقت معظم الذهب على التلاعب بالأسعار من أجل دعم الدولار كعملة عالمية، ويرفض الاحتياطي الفدرالي أي تدقيق معلن لحيازاته من الذهب.
ولكن لنفترض أن الولايات المتحدة تمتلك هذا الكم من الذهب، والذي تبلغ قيمته الإجمالية بالأسعار الحالية حوالي 504 مليار دولار. ووفقا لمعهد واشنطن للتمويل الدولي، سيكون لروسيا فائض في الحساب الجاري Current account، أي فائض العملة الأجنبية، هذا العام، 240 مليار دولار. أي أنه لشراء كل الذهب من احتياطيات الولايات المتحدة الأمريكية، ستحتاج روسيا إلى ما يقرب من عامين وشهر واحد.
أعتقد أن العقوبات ستستمر لفترة أطول من ذلك، حتى لو انهار الاقتصاد العالمي في هذين العامين. سوف تستغرق روسيا حوالي 7 سنوت لشراء كل الذهب في جميع أنحاء العالم.
بطبيعة الحال، فإن ذلك تشبيه نظري، أما من الناحية العملية، فإن سعر الذهب ينطلق إلى عنان السماء بمثل هذا الشراء الجماعي، ولن يرغب العقلاء في التخلي عن الذهب عشية انهيار الدولار وسوف يتدخل انهيار الاقتصاد العالمي في هذا الأمر.
لكني بصراحة لا أرى أي سبيل آخر للتصرف في المداخيل الروسية الضخمة، بخلاف الاستثمار في الذهب.
أي أن مثل هذا التطور يبدو لي وضعا لا مفر منه، وأعتقد أن هذا السيناريو سينطلق تلقائيا خلال الشهرين المقبلين، إذا لم يغير البنك المركزي قراره. أسعار الذهب في العالم سوف تنمو بسرعة قريبا، سارعوا بشرائه