تمر من البحر الأحمر وامتداده إلى خليج عدن عبر مضيق باب المندب نسبة عالية من التجارة العالمية؛ ما شكل عاملاً رئيسياً للحوثيين لتكثيف خطورتهم على الملاحة البحرية، التي أصبحت في مرمى صواريخهم وقواربهم المفخخة.
ولعل عملية القرصنة الحوثية مؤخراً على سفينة إماراتية واستهدافهم لسفن نفطية قد دفعت الولايات المتحدة أخيراً لإعلان تشكيل "قوة مهام" جديدة مع دول حليفة لها ستقوم بدوريات في البحر الأحمر قبالة اليمن.
ويبدو أن هذه الخطوة الأمريكية قد جاءت عقب الانتقادات السعودية الأمريكية لغياب أي استجابة أمريكية لاستهداف المتمردين الحوثيين في اليمن، فما هو إذاً أبرز ما ستقوم به، وهل سيوقف وجودها تحركات الحوثيين وهجماتهم؟
قوة مهام دولية
وسط التشكيك المتواصل في التزامها بأمن المنطقة، خطت الولايات المتحدة أخيراً خطوة لتطمين حلفائها، بعدما أعلن الأدميرال براد كوبر قائد الأسطول الخامس الأمريكي ومقره البحرين تأسيس "قوة مهام" جديدة مع دول حليفة ستقوم بدوريات في البحر الأحمر قبالة اليمن.
ورداً على سؤال حول الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يستخدمها الحوثيون لمهاجمة السعودية والإمارات، قال كوبر إن القوة الجديدة ستؤثر على قدرة الحوثيين في الحصول على مثل هذه الأسلحة.
وأضاف أنهم سيكونون قادرين على القيام بذلك بشكل حيوي ومباشر أكثر مما يفعلونه اليوم.
من جانبه قال المتحدث باسم البحرية الأمريكية تيم هوكينز، إن قوة المهام الجديدة "ستعزز الأمن والاستقرار في المنطقة عبر تحسين التنسيق مع شركائنا الإقليميين".
ما أبرز ما تتضمنه؟
القائد الأمريكي كوبر أشار إلى أن القوات المشتركة ستشهد انضمام سفينة "يو إس إس ماونت ويتني"، وهي سفينة قيادة برمائية من فئة "بلو ريدج" كانت في السابق جزءاً من الأسطول السادس للبحرية الأفريقية والأوروبية.
والقوة التي سيتم الإعلان عنها رسمياً في 17 أبريل الجاري، قال إنها تتكون من سفينتين إلى 8 سفن في وقت واحد، وتستهدف "أولئك الذين يهرّبون الفحم والمخدرات والأسلحة والأشخاص عبر البحر الأحمر"، دون الإشارة إلى إيران.
وقال قائد الأسطول الخامس الأمريكي الأدميرال براد كوبر للصحفيين: إن "قوة المهام المشتركة 153 ستقوم على تعزيز التعاون بين الشركاء البحريين الإقليميين لتعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن".
ويأتي تأسيس هذه القوة بعد مناورة ضخمة نظمتها البحرية الأمريكية بمشاركة 60 دولة في البحر الأحمر، والتي استمرت 18 يوماً، في فبراير الماضي، فضلاً عن إعلان الأسطول الخامس، في سبتمبر الماضي، تشكيل "قوة المهام الـ 59" كجزء من مهمة الأسطول الأوسع نطاقاً.
وتمتد مسؤولية "الأسطول الخامس" من مضيق هرمز وخليج عمان وبحر العرب وأجزاء من المحيط الهند وخليج عدن، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر وحتى قناة السويس.
إكمال مساحة جغرافية
يشير المحلل والخبير العسكري الاستراتيجي د.علي الذهب إلى أن هذه القوة متعددة الجنسيات ستعمل إلى جانب ثلاث قوات أخرى وهي "150 و151 و152"، والتي يطلقون عليها تسمية "قوة الواجب أو قوة أعمال مشتركة"، مشيراً إلى أن كل فرقة منها أنشئت في ظرف معين.
وأوضح أن هذه القوة التي أعلنت رسمياً "أنشئت لمواجهة التهديدات غير التقليدية، بمعنى التي تقف خلفها فواعل عنيفة، كجماعات الإرهاب والجماعات المنظمة والجماعات التي تمارس الأعمال غير المشروعة في البحار".
ويكمل "الذهب" بحسب موقع "الخليج أونلاين" بقوله: "هذه الفرقة ستكمل المساحة الجغرافية من الخليج العربي إلى قناة السويس، وهدفها الجريمة المنظمة والإرهاب والعمل غير المشروع، حيث ستتولى القيادة الولايات المتحدة، ثم تسلمها بالتناوب هكذا كل أشهر لدول أخرى".
ويرى الخبير العسكري في حديثه أن هناك خطورة من وجود هذه القوة؛ "لأنه سيكون لها تدخل سافر في منطقة وصفت بأنها بحيرة عربية مغلقة وهي البحر الأحمر".
وعن أبرز تلك التدخلات يقول: "تفتيش السفن التجارية بشكل سافر كما يحدث في الخليج العربي، وهذا كله يرجع إلى غياب القوات العربية التي تحمي هذا البحر بشكل مستديم، ووجود فجوة أمنية لحماية المنطقة من التهديدات وتهريب الأسلحة التي تحدث، وتتصدر ذلك جماعة الحوثي".
وإلى جانب ذلك يرى "الذهب" أن حديث المسؤول الأمريكي عن أن القوة ستكون مرابطة بشكلٍ دائم "فيه خطر"، موضحاً بقوله: "هذا الخطر على مصر لأنها تتحسس لهذا الموضوع بحيث ترى أنها هي المسؤولة عن معظم مناطق البحر الأحمر، ووجود قاعدة برنيس المصرية أيضاً".
ويعتقد أن مصر ستتعامل بذكاء في هذا الجانب، بـ"حيث لن تسمح لأي سفن بالاقتراب من مياهها الإقليمية"، حسب قوله.
ويؤكد أن الأمريكان "يحاولون دغدغة مشاعر السعوديين واليمنيين أنها لمواجهة الحوثي والأعمال الإجرامية، لكن يبدو أنها مرتبط بالأساس بالاتفاق النووي الإيراني".
وأردف موضحاً: "إيران لديها في هذه المنطقة سفينة جاءت بديلاً لسفينة سافيز التي تم استهدافها سابقاً، لذلك فإن واشنطن لديها شروط لتحقيق الاتفاق، بما فيها مواجهة مثل هذه السفن، في وقتٍ تضغط فيه إيران على ألا يدخل في الاتفاق ما يتعلق بدعمها حزب الله والحوثيين وجماعات أخرى".
وإلى جانب ذلك يعتقد أن الخطوة ربما تأتي أيضاً استباقاً لـ"شطب الحرس الثوري من العقوبات الأمريكية، والذي يمارس النشاط خارج إيران، إضافة إلى استجابتها للحلفاء كالسعودية والإمارات".
وفيما يتعلق بالدول التي ستشارك، يقول إنها لن تكون أمريكية فقط، "بل ربما تشارك فيها قوات مصرية وسعودية وربما يمنية بعدد من الزوارق؛ لكون الانتشار سيكون في منطقة البحر الأحمر المقابلة لليمن (أعالي البحار) في المياه الدولية".
وعن الهجمات الحوثية على السفن ووقف تهريب الأسلحة يقول إنها لن تتوقف، لأنها لن تستطيع أن تمتلك كل الإمكانيات لوقفها، بسبب امتلاك الجماعات المسلحة وسائل عديدة كبيرة لتنفيذ هجماتها أو تهريب الأسلحة كـ"شبكات موجودة في البر، ومعابر التهريب والوصول".
ما بين التهديدات والمخاوف
ولعل الخطوة الأمريكية قد جاءت رغم محاولات قوات التحالف وقف تلك الهجمات، غير أن ازدياد الهجمات وتهريب الأسلحة دفع واشنطن لإعلانها، مع تزايد الصراع في مياه البحر الأحمر والخليج.
ولا تزال التهديدات البحرية مستمرة في مواجهة الأمن البحري الخليجي، والتي كان آخرها استهداف السفينة الإماراتية "روابي"، في يناير الماضي، واحتجازها، إضافة إلى إحباط التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن محاولات عدائية للهجوم على سفن تجارية سعودية.
ولعل أهمية وجود قوات لمواجهة عمليات السطو على السفن تشير إلى أهمية وجود قوة دولية؛ لنجاحها سابقاً في مواجهة القرصنة الصومالية، واتخاذ أساليب المواجهة الاستباقية التي تقوم بها قوات بحرية دولية في منطقة خليج عدن.
وتتنافس قوى إقليمية ودولية على تأسيس نفوذ لها في البحر الأحمر لضمان مصالحها في منطقة تخلو من كيانات أو مؤسسات إقليمية تنظم العلاقات والتعاون بين البلدان المعنية.
ولدى السعودية مصلحة استراتيجية في الحفاظ على أمن البحر الأحمر وحمايته، بما يمكنها من الوصول الآمن جنوباً إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وشمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، حيث يجب على الرياض نقل مخزوناتها النفطية من شرق المملكة على الخليج إلى غربها على البحر الأحمر، لتفادي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز.