ما حدث في تونس لم يكن مفاجئًا أو مدهشًا للمراقب، الذي يتوقع رد فعل الإخوان المسلمين.
وهو الرد الذي لن يختلف كثيرًا عن رد فعل رأس التنظيم في مصر عام 2013، ففرع التنظيم في تونس سوف يحذو حذو الجماعة الأم في مصر، ولكن بشيء من المناورة، قد تُظهر أن التنظيم في تونس مختلف بعض الشيء ولن يكرر الأخطاء نفسها.
المَعين، الذي يستقي منه الإخوان في كل مكان ويشكل عقله ووجدانه، واحد، ولا يمكن لفرد أو مجموعة أفراد أن يصبحوا أعضاء في التنظيم دون أن يتشربوا أفكار الجماعة، ثم يطمئن التنظيم إلى ذلك، فيعطي الإذن بمرور هؤلاء من بوابة الدخول، وبالتالي لا فرق بين الإخوان في تونس عن أمثالهم في مصر، غير أن الأول يبدو أكثر انفتاحًا، خلافا للحقيقة، فهو يريد أن يبدو كذلك، وقد تمكن في إيهام الناس بهذه الطريقة خلال السنوات الماضية، قبل أن ينكشف أمره.
وصف الإخوان في تونس قرارات الرئيس قيس سعيد بأنها "انقلاب على الشرعية"، رغم أن الرجل وصل إلى السلطة بانتخابات حرة شهد لها العالم، وهو رجل القانون والدستور وفقيه الكلمة، ورغم أنه استند إلى الدستور في كل قراراته.
ولو افترضنا أن قرارات "سعيد" انقلاب، فهي انقلاب على الفوضى، التي تنشدها حركة النهضة الإخوانية وتريد أن تسيطر من خلالها، رغم وجودها النسبي في السلطة، ولكنها ترغب في أن تنفرد بها دون مشاركة أي تيار سياسي.
تبدو ملامح الانقلاب في فكر الإخوان السياسي واضحة، فهم إذا ثاروا على رئيس أي دولة سموا ذلك ثورة وأعطوها صفة الشرعية وباركوا تحركاتها ودافعوا عنها عبر منصاتهم الإعلامية وجيّشوا لها تسميات كـ"الحرية والإصلاح"، بينما إذا ثار عليهم الناس سموا ذلك انقلابًا، وهو نفس ما حدث في مصر وتونس.
في الحالتين المصرية والتونسية يبدو الأمر مختلفًا بعض الشيء، ففي تونس استخدم الرئيس قيس سعيد حقه الدستوري في التعامل مع الأزمة السياسية، التي بدت له في الأفق بعد انتشار الفساد والمحسوبية، واستند إلى الفصل 80 من الدستور، وعطّل عمل البرلمان لفترة محددة، وحلّ الحكومة وطالب بفتح ملفات التحقيق مع الفسدة، وهو ما أزعج الإخوان بالطبع.
في مصر انحاز الجيش المصري لجموع المصريين، الذين خرجوا في كل الميادين منددين بحكم الإخوان، بعدما سعى التنظيم إلى أخونة الدولة، وفعلوا كل ما يُهدد الأمن القومي، فضلًا عن بوادر الفتنة التي أطلّت على المجتمع داخليًا، وتهديدات قيادات التنظيمات لكل من خرج للتظاهر ضد حكمهم، وهو ما دفع القوات المسلحة المصرية لإمهال الجميع وقتًا لحل الخلاف وإلا سوف تتدخل لحماية الوطن مما يتهدده من فوضى رفع شعارها الإخوان وهم في السلطة!
لقد اعتقد الإخوان أنهم عندما يصلون إلى السلطة لن يتركوها قبل مائة عام، رفضوا مشاركة أي تيار سياسي، وانقلبوا على قيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة التي أتوا من خلالها، ووصفوا الطريقة التي أتوا بها وأطلقوا عليها "ثورة شعبية" بأنها "انقلاب" لأنها فقط تستهدف فسادهم وفوضاهم واحتكارهم، ونحتوا لنا مصطلحات من عينة "الشرعية الثورية"، وعندما وصلوا إلى السلطة استبدلوا بها "الشرعية الدستورية"، فإذا بهم يرفضون أي إجراءات قانونية أو دستورية في تونس، ما دامت ستُحاسبهم.
عاش الإخوان مائة عام كي يحكموا عامًا واحدًا في مصر، حتى إذا ما وصلوا إلى السلطة لفظهم الشعب المصري، ولعل تونس تأخرت كثيرًا وكانت أكثر صبرًا في التعامل مع التنظيم، الذي استفاد مما حدث في مصر، حتى إذا ما طفح الكيل ثار الشعب التونسي وانحاز رئيسه إلى تحركات الشارع انتصارًا للدولة والوقوف أمام مخططات الإخوان الرامية لمحاولة اختطاف تونس في طريق العنف والإرهاب والفوضى.
تُشكل كلمة "انقلاب" حيزًا كبيرًا من تفكير الإخوان في كل مكان، هم ينقلبون على كل القيم السياسية والاجتماعية ما دام ذلك يخدم أهدافهم، وإذا لم يجدوا من ينقلبون عليه انقلبوا على أنفسهم، والتاريخ يضعنا أمام أحداث كثيرة وجّه فيها الإخوان السلاح إلى صدور بعضهم، بعد وفاة مؤسس التنظيم، حسن البنا، فقد قتلوا السيد فايز، أحد قادة "التنظيم الخاص"، لمجرد أنه تواصل مع حسن الهضيبي، المرشد الثاني للتنظيم.
وفي مصر أعلنوا أنهم لن يترشحوا لمنصب الرئيس بعد الثورة، وأنهم لن يكرروا تجربة الصدام مع المؤسسة العسكرية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، لكنهم كذبوا وقدموا مرشحا لانتخابات الرئاسة، وناصبوا القوات المسلحة المصرية العداء وحرضوا عليها علنيا، في محاولة منهم لإضعاف آخر وأهم مؤسسة قوية في مصر، والتي تشكل زاوية القوة، التي لو انهارت انهارت معها الدولة.
تنظيمات الإسلام السياسي انقلابية بطبيعة حالها، لا تستحيي أن تعرض أهدافها وبرامجها، التي تصب في هذا الاتجاه، ترفع شعارات سريعًا ما تتنكر لها وتنقلب عليها، والأدهى أنها تصف من يستخدم حقه في الثورة عليها أو من يُخضعها للمحاسبة بأنه انقلابي.. هذا المفهوم يكوّن جزءًا كبيرًا من عقل ووجدان الإخوان، الذي تشكل داخل محاضن التنظيم التربوية والسياسية.