كلمة كان ان القيها في إحدى الفعاليات بصنعاء يوم غد، ولكن لم تتم الموافقة على قيامها، أو لم يتم السماح بها، بل تم إلغاءها بعد أن تم الإعداد لها لأسباب لا أعلمها على وجه التحديد..
وأحببت هنا أن أنشرها بعد أن أعددتها عقب تردد تلبية لطلب رفاق أحببتهم.. يبادولني نفس المشاعر والمواقف مع مساحة اختلاف نجلّها جميعا.. رفاق أعزّاء كان الإلغاء المُرغم في مواجهة رغبتهم وإرادتهم ومبادرتهم..
نص الكلمة:
ألف تحية لمن ينظم هذا الحفل في العاصمة صنعاء.. لمن يعلنون السلام في وجه الحرب.. ألف تحية لمن يحتفل بثورة سبتمبر في وجه هذا الظلام الكثيف الذي يحاصرنا ويحاول أن يستبد على حاضرنا ويريد الاستيلاء على مستقبل أبناءنا..
26 سبتمبر ثورة بكل المقاييس.. أحتفى بها العظيم عبدالله البردوني صبيحة يوم الثورة حيث قال:
أفقنا على فجر يوم صبي *** فيا صحوات المنى أطربي
أتدرين، يا شمس ماذا جرى؟ *** سلبنا الدجى فجرنا المختبي!
وبعد عام فقط أندلعت ثورة 14 أكتوبر في الجنوب.. وكانت ثورة 26 سبتمبر هي السند والملاذ..
اشتعلت ثورة 14 أكتوبر، واستطاعت أن تجبر المحتل على المغادرة والرحيل، وتم توحيد أكثر من 21 إمارة ومشيخة وسلطنة في الجنوب، وأسست لنظام علماني قدم منجزات قل نظيرها على الصعيد الاجتماعي.. فمثلا ما حققته المرأة على الصعيد الدستوري والقانوني قل مثيله على صعيد المنطقة العربية كلها، بل لم نجد ما يضاهيها إلا بلد واحد فقط هي تونس في ذلك العهد الباكر.
***
انتكست ثورة سبتمبر بانقلاب 5 نوفمبر، وظلت اليمن من حقبة إلى أسوأ عبر عنها البردوني:
"بلادي من يدي طاغ إلى أطغى إلى أجفى"
ومحاولات الخروج من تلك الحقب الكئيبة كان عاثرا وفي نفس الوقت سريعا كالحلم..
خاتمة الثورتين كان مؤلما عبر عنها البردوني بقوله:
يا سبتمبر، قل لأكتوبر
كل منّا أمسى في قبر
حتى الوحدة جرى اغتيالها أو تقاسمها كغنيمة حرب في صيف 1994
ومن حرب إلى حروب تكاثرت وكثرت أوزارها وكارثيتها وعلى نحو بات اليوم يهدد اليمن ووحدته وجوديا..
***
اليوم بات اليمن قاب قوسين أو أدنى من رده حضارية مرعبة.. اليوم لم يعد لنا من الوطن أو بقاياه ما يستحق الذكر.. كل شيء جميل بات إلى تلاشي وتمزق ونزيف لم يسبق له مثيل.. موت ودمار وخراب وعبث بلا حدود..
لم ولن نيأس مهم كان الحاضر يبث اليأس والنهايات المؤسفة..
ألم يقل العظيم البردوني:
"ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن
ولم يمت في حشاها العشق والطرب"
سيتخلق من هذا العشق ميلاد جديد.. مهما كان الظلم ثقيلا فلكل ظالم نهاية.. الظلم إلى زوال وإن كان مكين.. الطغيان لن يدوم مهما كانت سلطته وسطوته وقوته.. لن نكف عن الحلم والأمل.. نستلهم من سبتمبر وأكتوبر الإرادة وصنع المعجزة وتحويل المستحيل إلى ممكن في هذا الواقع المراغم..
ستظل جذوة العشق تتقد، وسيظل الأمل يشتعل في نفوسنا مهما كان الحاضر مؤلما ومظلما وبائسا.. والحالات الطارئة لن تستمر طويلا حتى وإن كانت ثقيلة.. وعمر الشعوب أكبر من الطغيان مهما تمادى وطال..
تشبثوا بالأمل.. فالمستقبل لنا ولأجيال ستأتي مهما تباعد.. المستقبل ليس للاحتلال ولا للعدوان ولا لقوى العمالة والارتهان.. المستقبل لنا وليس لمن يجرّف الوعي، وينشر الجهل والخرافة والعنصرية والجهوية والمناطقية والتمزيق، ويطيل الحرب والمعاناة ليحكم ويثري ويستبد على ما وقع تحت يديه..
ستتخلق نخب جديدة أكثر وعيا وفعلا.. ستتخلق قوى وطنية أقوى وأكثر بأسا وإرادة ومراس تعيد الاعتبار لهذا الوطن المنكوب، ولهذا الشعب الذي نُكب بحكامه.. سيعاد الاعتبار للثورتين العظيمتين سبتمبر واكتوبر.. للوحدة التي تمزقت.. للاستقلال والسيادة التي تم استباحتها طولا وعرضا.. لليمن الكبير الذي نبحث عنه..
سيُهزم كل من ظن إنه نهاية التاريخ ومسك ختامه.. الشعوب ربما تُهزم في مرحلة ما، ولكنها لا تموت، ومنها يتخلق ما هو أقوى من الهزيمة.. الشعوب لا تموت حتى وإن ظن الواهمين إنها ماتت للأبد.. يوم سيسمعها الجميع مدوية:
"أنا الشعبُ زلزلةٌ عاتيه
ستَخمِد نيرانَهم غضبتي
ستَخرِس أصواتَهم صيحتي
أنا الشعبُ عاصفةٌ طاغيه"