إن أخطر الناس على اليمن ، هم أولئك الذين يقفون في منتصف الطريق بين أعدائها الداخليين والخارجيين ، فالحياد الذي يتبناه البعض يعد ضربا من الخيانة ، يحاولون تقديم أنفسهم أنهم مع السلام ، لكنهم لا يضعون قواعد السلام ، كل ما يعنيهم هو أن يصبحوا قادة باسم السلام الذي لن يتحقق بسبب عدم وجود أدواته وآلياته ، لذلك فإن الصمت الذي يمارسه البعض يعد شكلا من أشكال العدوان ، فالمحايد رجل يقف عاجزا في منتصف الطريق بين عدوان المعتدي وصرخة الضحية .
لقد خذل المحايدون اليمن وخذلوا المدافعين عنها في الوقت نفسه ، فما يحدث لمأرب ليس قضية أبناء مأرب وحدهم وما يحدث في تعز ليس قضية التعزيين وحدهم وما يحدث في عدن ليس قضية العدنيين وحدهم ، وما سيحدث غدا ليس قضية الجيل الذي مازال في مرحلة الطفولة ، بل هي قضية أولئك الذين ماتوا من أجل سبتمبر وأكتوبر وقضية أولئك الذين ناضلوا من أجل الوحدة وسكنوا السجون والمعتقلات ، فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الوحدة والجمهورية من الجبناء والانتهازيين .
فالمرء ليس مسؤلا عما يقوله فقط ، بل مسؤل عن الأشياء التي كان يجب أن يقولها ، فمنذ بدأت الحرب وهي تلتهم المحافظة بعد الأخرى ، وهؤلاء مازالوا يلتزمون الصمت ، إما بسبب الخوف ، أو بحثا عن منصب لا قيمة له في ظل غياب الوطن ، إن حفنة من تراب الوطن أعظم وأشرف من كل سلطة ناقصة ، ففي تراب هذا الوطن بعض من أهلك وكل هويتك .
ولست بحاجة للقول إن ثورة ٢٦ سبتمبر كانت ساذجة حين أعطت دعاة الإمامة فرصة لا يستحقونها في الحياة ، لهذا لم تشهد اليمن لحظة انحطاط تاريخي مثل اللحظة التي نعيشها اليوم ، فدعاة الإمامة البعض منهم يقتلنا بالسلاح والبعض الآخر يقتلنا بصمته وحول الذين يقتلوننا بالسلاح أو بالصمت يلتف الضحايا منا لنصرهم علينا .
وأمام كل ذلك نجد الطبقة السياسية تتعامل معنا كما لو كانت نصف إله ، وفي الوقت نفسه تبدو أمام الإمارات أو السعودية أو إيران راضية بذلها ، وليس أدل على ذلك من وصف الإيرانيين للحوثيين بأنهم شيعة شوارع وبالمثل تعامل الإماراتيون والسعوديون مع أولئك الذين حسبوا على الطبقة السياسية ، الذين لا يفكرون إلا بالاستمرار وبالمصالح مهما كان الثمن ، فهذه الطبقة تستثمر بالحرب وباعت البلاد لأجندات خارجية .
لليمن أعداء كثيرون ، لكن الطبقة السياسية هي الأخطر عليه ، أكثر من ستتة عشر مستشارا للرئيس كانوا زعماء للمعارضة في الماضي ، كانوا يعارضون كل صغيرة وكبيرة لكنهم اليوم اكتفوا بصفة مستشار وبلعوا ألسنتهم واتضح أنهم كانو يعارضون الاستقرار ليس إلا ، وأغلب هؤلاء جاؤا بالوراثة والبعض الآخر جاءت بهم البندقية والحروب والمليشيات المسلحة ، البعض أنتج نوابا والبعض أنتج ضباطا وآخرون أنشاؤا مليشيات ، فإلى متى سيظل الضحايا ينصرون قتلتهم ؟