في شهر أبريل من عام ٢٠٢٢، أقدمت المملكة العربية السعودية والإمارات على تشكيل مجلس المماتعة والمقاولة ، أسمته مجلس القيادة الرئاسي وزعمت أن مهمته تحقيق السلام في اليمن سلما أو حربا ، قلنا حينها إن هذا المجلس غير شرعي ، وأن السعودية تتخذ من الشرعية كدكان تجاري تستثمر فيها مصالحها الهدامة المدمرة لليمن ، ولعلي أذكركم اليوم بالتسمية التي أطلقتها على التحالف الذي قادته في ٢٠١٥، لمواجهة إيران في اليمن وإنهاء إنقلاب الحوثي ، فقد أطلقت عليه ، تحالف " دعم الشرعية "، فأين هي هذه الشرعية اليوم وأين هو الدعم ؟
أردت أن أذكر بأن السعودية والإمارات صنعتا شرعية ، الانتماء إليها أشبه ما يكون بعقد عمل معهما ، ينتهي العمل به بمجرد انتهاء المنفعة أو الوظيفة ، لذلك أنهت عقود الميسري والجبواني وجباري ومن بعدهم بن عديو والمقدشي ومن بعدهم علي محسن وهادي ، وصعدت ثمان موميات أسمتها مجلس القيادة الرئاسي لتمارس بهم ما يجري اليوم في عدن من تمزيق للنسيج الاجتماعي والإصرار على زرع مزيد من الأحقاد والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد .
كل الحيثيات المتوفرة الآن صارت ظاهرة للعيان تؤكد أن السعودية تعمل على تدمير اليمن وتخريبها جغرافيا وسياسيا بطريقة نجسة ، على الأقل الإمارات واضحة في سلوكها العدائي لليمن واليمنيين ، لكن السعودية مازالت تصر بأن مشروعها التخريبي هو من أجل اليمن ومصلحة اليمنيين ، فلست أدري ماذا نسمي ظهور بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في قيادة المجلس الانتقالي الذي يدعو إلى الانفصال ، ولا ماذا نسمي سكوت بقية أعضاء المجلس على ما يمارسه الانتقالي ؟
فليس هدفي هنا إحصاء ما يثبت بهتان السعودية في زعمها دعمها للشرعية ، فالأمر صار واضحا كالشمس ، فهي تدعم المليشيات التي تدمر وطنها وتمزق نسيج مجتمعها ، فهي تدرك أن الانفصال غير ممكن ، لذلك لجأت إلى استخدام الشرعية في خدمة المشروع الانفصالي ، مستفيدة من نظام الكفيل في السعودية الذي لا يسمح للأجنبي بالتملك أو مزاولة نشاط إلا من خلال سعودي ، فلجأت إلى تسهيل مزاولة الانفصاليين لمشروعهم من خلال الشرعية ، وهذا ما لمسناه من عيدروس الزبيدي وانضمام البحسني والمحرمي وآخرون إليه .
وللإنصاف ، لا السعودية ولا الإمارات تتحمل ذلك ، من يتحمله هو الرخاص من اليمنيين الذين أباحوا أنفسهم ووطنهم للسعودية والإمارات ، فهل هناك سعودي أو إماراتي يقبل على وطنه ما قبلته هذه الحثالة ممن يطلقون على أنفسهم يمنيين ، وكيف ستتصرف السعودية أو الإمارات في حالة ما إذا ظهرت جماعة تنادي بانفصال جزء من السعودية أو الإمارات ، هل ستتعامل معهم مثلما تتعامل مع هذه الحثالة التي تستكثر على شعبها وحدته الاجتماعية والسياسية ؟
والأدهى من ذلك ، أن النخب السياسية اليمنية أظهرت أنها نخب مريضة مهوسة بزينة الحياة الدنيا " المال والبنون " ، سايرت الوضع وتملكت مواقع السلطة والغنيمة ، مارست هذه النخب الجبن بأرفع درجاته ، تتحدث عن الوطن والوطنية وتزعم أنها رافضة لسلوك الإمامة والاستعمار ، لكنها إما مبررة لهذا التدمير ، أو أنها ترفض التكتل لمواجهة ذلك ، فهي تتعامل مع الوضع مثل تاجر أوشك على فقدان موقعه التجاري ، تمارس الصمت لعلها تحظى بالعودة إلى السلطة مرة أخرى ، أو خوفا على ممتلكاتها التي جنتها بطرق غير مشروعة ، أو أنها مورطة بأخذ أموال من جهات أخرى ، باسم الوطن والمشروع الوطني .
الجميع يتساءل ، أين أراجوزات الأحزاب المستهلكة وما هو رأيها في كل ما يجري ؟ إن الصمت على ما يجري في عدن من انقلاب على الشرعية ، باسم الشرعية هو ازدراء للدم وتعبئة للحقد والكراهية وتجسيد للخيانة في مقابل الوطنية ، وهو استدراج لإطالة أمد الحرب وفاتورة تسدد لحساب أطراف إقليمية تتلهى بالدم اليمني ، ومالم تتحرك النخب السياسية التي تزعم أنها مع الشعب الآن ، فلا حاجة للشعب بها بعد اليوم ، فالشعب اليمني يدرك أن يوم الحساب قادم ، وهو لن يتنازل عن وطنه ، ولن يقبل بعودة الإمامة أو الاستعمار .