نجح المشروع الإيراني في التمدد في المنطقة العربية ، واستطاع الوصول لأهدافه والتوسع ؛ ليحاصر الخليج العربي شمالا وجنوبا ، في حين تهيمن على الساحة الإقليمية العربية المقابلة لهذا المشروع ، حالة من البلبلة والتبدد والاضطراب لا تقدم أي تصور ، أو تقدم أي ممانعة ؛ لتحصين ما تبقى من المشرق العربي أو إنقاذ من وقع تحت النفوذ الإيراني ، واقتصر التفاعل العربي مع الخطر الإيراني ، على استجلاب الغرب لمواجهته ، دون أن يكن هناك أداء ووعي استراتيجي عربي ، يقوض أو يحتوي التحركات الإيرانية في المنطقة ، وما جرى في العراق ويجري في سوريا واليمن ، يشير إلى أن طهران في طريقها لكسب مزيد من المكاسب الإقليمية قد لا تكن اليمن آخرها .
تشكل السياسة الإيرانية في المنطقة العربية ، تهديدا حقيقيا للأمن القومي العربي ، وستظل كذلك محكومة ببقاء العلاقات العربية الإيرانية ، حبسية واقع تصارعي مفتوح ، لاسيما مع غياب الرؤية السليمة للأمن القومي العربي ، واقتصاره على التفكير في الأمن القومي لكل دولة عربية على حده ، بل على أمن الأنظمة العربية الحاكمة ، حتى ولو كان ذلك على حساب أمن شعوب المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط ، والأهم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العرب الحديث ، ألا نظل نتباكى من إيران وأنصارها ، دون أن ندرك مواطن القوة لديها ، ونضع أيدينا على مواطن الخلل في الجسم العربي ، التي أفقدته مناعته ، ومكنت إيران من الصعود على حساب العرب ، كقوة إقليمة صاعدة ، تملي شروطها وتحرك أوراقها حيثما تريد ووقتما تريد.
وبينما كانت طهران قد ربحت العراق وسوريا ولبنان بمباركة أمريكية، كانت طهران تدعم الحوثيين ؛ للسيطرة على اليمن بل إن إيران زادت من إسنادها للأقليات الشيعية في أرض العرب ، التي أصبحت بمثابة جاليات فارسية ، تحولت لجيوش ظل إيرانية ببعدها العسكري والسياسي والإعلامي ، وفوق هذا كله رسمت طهران لها برنامجا امبراطوريا ، أدمج وتأطر بمشروع عقائدي أيدلوجي شيعي ، بينما حرص العرب على عدم امتلاك أي مشروع حضاري عربي ، وأمعنوا في تفكيك جبهتم الداخلية ، وتخريب بيوتهم بأيديهم.
ظل العرب يصدقون خرافة العداء الأمريكي الإيراني عقودا طويلة ، مغمضين أعينهم عن الرؤية الصحيحة لخريطة العلاقات الدولية ، التي كانت ومازالت تصب في مصلحة أعدائهم ، ولايدركون أن ما يحدث بين واشنطن وطهران، من مناورات إعلامية ، ليست سوى سيناريوهات مفضوحة ، هدفها تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية ، من خلال تخويف وابتزاز دول الخليج ، وبيع الأسلحة لها بأسعار خيالية ، وإنشاء قواعد عسكرية في أراضيها ؛ بحجة حمايتها ، ومن المفيد أن نشير إلى أنه لم تقم أمريكا والدول الكبرى ، بإسقاط دولة شيعية أو إدراج الجماعات الشيعية كجماعات إرهابية ؛ لأنها لا ترى في وصول تلكم الجماعات للحكم خطرا يهدد مصالحها ، فسياسة ملالي طهران والموالون لها من العرب ، ترتكز على تنفيذ مخططات الدول الكبرى والتخلص من أعدائها ، بإعادة تقسيم الشرق الأوسط ، واستئصال الجماعات السنية ، والتغطية على تلك العمالة والتبعية ، بدغدغة عواطف الشعوب بشعارات العداء والرفض للهيمنة الأمريكية .
إن ما نراه اليوم من دعم أمريكي للدول والجماعات الشيعية ، التي تمارس أبشع أنواع الإجرام والإرهاب، سيجعل دول الخليج لقمة سائغة للمشروع الإيراني ، مقابل صفقة مصالح بين طهران وواشنطن ، مما يحتم على دول الخليج لمواجهة هذا الخطر ، أن تضع سياسات استراتيجية تتضمن حزمة من الخطوات والإجراءات الضرورية ، يأتي في مقدمتها تحرير القرار السياسي من التماهي المطلق مع الإدارة الأمريكية ، الذي يجعل دول الخليج عرضة للابتزاز السياسي والاقتصادي .
يستوجب صد دول الخليج للنفوذ الإيراني ، أن تنشئ ماكينة إعلامية ؛ تقوم بدورها في تثقيف وتحصين المؤسستين الدفاعية والأمنية بصورة خاصة ، والمجتمع بصورة عامة ، والتحذير من خطورة المشروع الإيراني على حاضر ومستقبل الشعوب العربية ، ولشكف حجم الفساد المالي والأخلاقي المتغلغل في الدول والجماعات الشيعية ، ومدى الثراء الفاحش لمراجع الشيعة من كد وعرق الفقراء والمساكين ، ومدى الأموال الضخمة التي تبددها هذه الدول والجماعات الشيعية ؛ لصناعة الأسلحة وإشعال الفتن وافتعال الحروب ، فتوعية الرأي العام الشيعي والسني على الوجه المطلوب ، يؤدي لتصدع المشروع الإيراني وإسقاطه من الداخل ، وحماية المجتمعات العربية من أن تقع فريسة سهلة للفخ الإيراني.
إن الرهان على عجز المشروع الإيراني ، لا يجدي ، لاسيما وأن الفوضى تعد من السياسات الرئيسة التي تستخدمها إيران ، وهي في نفس الوقت إنهاك خطير لمجتمعات ودول المشرق العربي ، يصعب ممانعتها إلى حد التفتت الكامل ، ولذلك أصبح من الواجب ، أن ينتظم العرب في خندق واحد ؛ لتطويق وحصار وصد المشروع الإيراني ، لا أن يكتفى فقط ، باستجداء التأييد والتنديد من أمريكا أو مجلس الأمن والأمم المتحدة، الذي يوظف لحروب تنهك المشرق العربي ، وجسمه الإسلامي ذي الغالبية السنية لاغير.
#عبدالواسع_الفاتكي.