كانت ساحات فبراير مدرسة وطنية ووعي وفكر، نهجها حق ومقاصدها نبيلة أخرجت أجمل ما في اليمنيين من رقي وتميز وإبداع كل ذلك لا غبار عليه ولسنا نادمين لمشاركتنا فيها فقد كانت محطة تحويلية في حياتنا ومفاهيمنا الوطنية .
لكن التمسك بها كثورة من وجهة نظر شخصية وكأحد المشاركين فيها أراها لاتتجاوز سوى انها انتفاضة وحراك فكري ثقافي سياسي لا ترقى إلى مستوى ثورة لعدة أمور:
@الأمر الاول لا يشرفني الاحتفال مع الحوثي بمناسبة واحدة وقد كان الغطاء السياسي للثورة بعيد عن مستوى المسؤلية في تماهيه مع الحوثي في الساحات وذراعه العسكري تقضم محافظات اليمن وترفع الصرخة بعد سيطرتها على صعدة واجزاء من حجة والجووف بالتزامن مع هتاف الشعب يريد اسقاط النظام.
@الأمر الثاني لايليق بي الاحتفال لان الذي خرجت ضده هو اليوم رفيق سلاح ورفيق نضال، يتعين علينا جميعا أننا استفدنا من الدرس لنتجاوز سوء الحاضر الذي شاركنا فيه جميعا إلى مستقبل نصنعه بأيدينا يعديد اعتبارنا واعتبار جمهوريتنا ووطننا مع رفضي تحميل طرف واحد مآلات ما وصلنا إليه.
@الأمر الثالث كي نطلق على الثورة ثورة يجب أن تحقق التغير لوجه المجتمع للأحسن، فمثلا ثورة سبتمبر رغم انتكاستها وحروبها سبع سنوات لكنها غيرت من وجه اليمن وخلال عام واحد بنيت خمسين مدرسة وانتهت بطرد اسرة بيت حميد الدين من اليمن وصنعت واقعا جديدا بتغيير الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية مقارنة بعهد الامامة البائد.
كما ان ثورة 14اكتوبر غيرت وجه المجتمع ودمجت اكثر من 17سلطنة جنوبية مشيخية يديرها الاحتلال البريطاني إلى محافظات بصلاحيات حكم محلي تابع للدولة، واممت شركة بيبي إلى اليوم ومصافي عدن وميناء ومنحت صحة وتعليم مجاني للجميع، او حتى ثورة الجيش المصري مثلا الذي اعادت الارض من يد الاقطاعيين الى يد المواطن المصري وغيرت وجه المجتمع المصري نحو الأفضل.
وعليه لسنا بحاجة إلى المقارنة بين نتائج فبراير وانعكاساتها على الوضع الوطني العام فهو متروك للنقد والتقييم لنعلن مع اعتزازنا بمدرسة ساحات فبراير إلا انه ليس عيبا أن نعترف بفشلها كما اعترف رواد الحركة الوطنية بفشل 48 و55و56 ليعدو العدة في معركة حاسمة بدات بفجر ال26من ايلول 1962م كاعز وأفضل يوم في تاريخ اليمنيين الحديث.
@ الأمر الرابع في الوقت الذي دفع فيه جيل فبراير الثمن غاليا خطفا وسحلا وتشريدا وهم من يدافعون اليوم بصدق منقطع النظير وتضحية عزيزة بشيك مفتوح فداء للجمهورية واليمن،
لن ننسى أن القوى التقليدية التي أعلنت انضمامها للثورة هي من خطفتها واعادت انتاج نفس النظام الذي ثرنا عليه وتحولت الثورة بالمسار السياسي الى ادارة ازمة سياسية قوض الفعل الثوري وتسلق عليه ولم تبرز الثورة رموز ولم تنتج نخبة وان كان جيل فبراير اليوم هو الجيل الرديف لكن ينبغي أن يستفيد من الدرس جيدا.
كما ان هناك من رموز فبراير من قبضوا الثمن وغادروا الوطن وتفرغوا لمشاريعهم الخاصة برتوش من النضال الشكلي المتخبط والمضيع لبوصلة الاولويات الوطنية،وانتقلوا من الفضاء الوطني إلى فضاء الربيع العربي والقضايا الإسلامية والعالمية،وبدون شخصنة فالكلام موجه لمئات منهم على تفاوت في اختفاء أناني عن النضال الحقوقي والسياسي والاعلامي والفكري والإغاثي في مواطن الشتات ونسو أنهم خرجو مطرودين من السلالة وكثيرا مايوجهون سهامهم نحو الكيانات والاشخاص الجمهوريين ولا يفوقهم إلا أصوات نشاز تردد اسطوانة مشروخة عن فبراير والساحات بحقد قادهم للارتهان المخزي لاجندة غير وطنية مشبوهة في سوق العمالة الرخيص.
كم نحترم القادة الليبيين والمصريين والتوانسة المنقلبين والمنقلب عليهم حين احترموا ماء وجوههم ولم يغادروا بلدانهم وفضلو الحرب والسجن والمواجهة على المغادرة وهذا الكلام مؤلم لكنه الحقيقة،من المعيب في حكومة تعيش في منفى مع وجود مناطق محررة تحت سيطرتها داخل اليمن.
حراك الوعي القومي اليوم يمضي في الطريق الصحيح لاحياء الرمزيات الحضارية وتجسيدها وانتاج نخبة مشبعة بالفكرة الوطنية تفرزها كتلة وطنية صلبة متزايدة الاتساع أفقيا وراسيا داخل اليمن وخارجه في مناطق الشرعية أو تحت سيطرة الحوثيين.
ختاما ليس عيبا أن نعترف ان النفق المظلم وحالة التكلس الذي وصل إليها النظام حينها، وعجز المعارضة التي كما وصفها الاستاذ نصر طه مصطفى في مقال له بمجلة السياسية عام 2006م أن تكتل المعارضة ضد نظام صالح لا يجمعهم سوى هدف اسقاطه، دفعهم الغضب لاسقاطه وافتقدو برنامج ما بعد سقوطه،
وحدها الهاشمية السلالية التي كانت تعرف ماتريد،
ثم ردة الفعل المستسلمة للحقد والانتقام من صالح رحمه الله وفريقه بعد انتخاب الرئيس هادي مع ما سبق من تراكمات نتائج حرب صيف 94م وحرب صعدة بعثيتها في جولاتها الست وتقارير المراكز والمنظمات الدولية عن نموذج الدولة الفاشلة في اليمن.
كل ذلك فتح البلاد على مصراعيها لعدوها وعدونا التاريخي الهاشمية السلالية باختصار، والحكمة اليوم تقتضي الاستفادة من درس بليغ دفعت اليمن فيه أكثر من خمسمائة الف قتيل وأضعافه من الجرحى والمعاقين وملايين المشردين والنازحين وملايين من الموظفين الذين افتقدوا أعمالهم وظائفهم في القطاعين الخاص والعام وملايين الاطفال الذين تمسخ هويتهم وعقيدتهم في مستنقعات الفكر الهاشمي السلالي الطائفي ووووو.
احتفالنا الكبير والعظيم حين نستعيد دولتنا ونحرر شعبنا من الكهنوت وترفرف رايات السلام على كل بيت وتفرح كل فم وتشبع كل جوف وتداوي كل مريض وترعى كل يتيم،وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.