يتابع بعض اليمنيين التطورات السياسية في المنطقة كما لو أنهم أمام فيلم سينمائي؛ فلم يخرجوا بعد من دهشتهم وهم يرون بالأمس زعماء الإمارات والسعودية وقطر في رحلة صيد يتبادلون الابتسامات الودية، حتى ظهر بن زايد ورجب طيب يتبادلان المشاعر ذاتها.
تلك هي السياسة التي تغيب عن محدودي الفكر الذين يجهلون قواعد لعبة فن الممكن، فيظنون أن الخصومة مدى الحياة والقطيعة دائمة..غير أن الإشفاق هنا مستوجب لمن تجمهروا في صفوف غيرهم نكاية بخصومهم، واتخذوا مواقف متطرفة وجعلوا من تعصبهم الأعمى لهذا الطرف أو ذاك مصدر رزق..
هذه المواقف لم تكن من نصيب عامة الناس بل كانت من مثقفين وسياسيين، وذلك لأننا نشأنا بهويات مشوشة وانتماءات مستوردة، وحين غاب الانتماء الوطني، وبقينا مشغولين بهموم غيرنا استبد بنا شذاذ الآفاق، ووصل حالنا إلى أن يتحدث باسمنا ومن عاصمتنا مجموعة مستوطنين ومهاجرين غير شرعيين، فيما نحن أصحاب الأرض والتاريخ والحضارة في نظرهم مجرد مرتزقة وعملاء وخونة.
وحتى حين تمسك بعض المخلصين بقضيتهم وقرروا السعي في سبيل استعادة الدولة تم تجويعهم، وإنهاكهم، فضلا عن قتل الإرادة في قلوب الأحرار ومحاصرة القادة الجماهيريين، وتغييب المؤثرين؛ وفي المقابل تم الدفع إلى الواجهة بكل رديء مشوه ضعيف هزيل.. وكل ما ينزع ثقة الجماهير في نصر أو تمثيل مشرف.
يا لبؤس هذه الفترة، ويا لسوء حظ كل من مد الله في عمره حتى يقع بين لعنتين، لعنة الحوثي، ولعنة القيادة الهزيلة التي لا تجيد الصداقة ولا الخصومة، لا تراعي مصلحة وطن، ولا يهمها أمر شعب، كائنات غريبة داست على كل التضحيات، وتخلت عن كل المهمات، وضاعت وأضاعت معها دولة وسيادة وشعبا وتاريخا وحضارة..
يبقى أملنا فقط في رجال الميادين الذين يقارعون المليشيات الحوثية، ويعرون فشل النخب السياسية والقيادات البلاستيكية التي لا تقل سوءا ولا بشاعة ولا... من هذه المرحلة الشاذة..