ظن المشروع السلالي أنه بتمرده على الشعب اليمني والتفافه على مخرجات الحوار الوطني قد كسب الرهان وأعاد اليمن إلى ما قبل 26 سبتمبر، وأن في مقدوره تنصيب إمام يأمر وينهى ويستقبل جموع اليمنيين في قصره؛ لينحنوا بين يديه أذلة صاغرين، غير أن هذا الوهم تبدد ويتبدد كل لحظة..
ألا تلاحظون معي أنه مع كل يوم يمر تبدو هذه الحرب كطاحونة تطحن اليمنيين، فتفرز واقعا جديدا.. هذا الواقع منقطع عن 1000عام من السلالة، يتطهر من رجسها؛ ليتصل اتصالا مباشرا بما قبل الميلاد بسنوات، حيث الحضارة والريادة.
من يتابع المشهد اليوم سيجد أن هذه الرحى تعرك الجميع، لتشكل الشعب ضمن تشكيلات متعددة..
فهناك من تقذفه شيئا فشيئا نحو سلة المهملات كهذه الكتل التي كانت في موقع الصدارة لحظة الانهيار، وحين كان الوطن يستغيث بها كانت تدير ظهرها، لقد ولت إلى غير رجعة مكتفية بما لديها، نعم، ستحتفظ بعض الوقت بالتمثيل الرسمي المأخوذ غصبا، ولكنه لن يتكرر..
وهناك صنف آخر تنقلهم طاحونة الحرب نحو مكان أوسع من مقاسهم، وتحشرهم في مواقع أكبر بكثير من حجمهم، لا لشيء إلا لترحيلهم وإلالحاقهم بالصنف السابق..
وهناك صنف عريض من تكبهم رحى الحرب، كبا على رصيف المعركة، فظهروا على شكل كومة من الجماهير الذين يتابعون فقط، كما لو أن الأمر لا يعنيهم، ولا علاقة لهم بما يجري..
وهناك صنف من المخلصين الأنقياء الذين ارتقوا بأنفسهم، وكانوا في قمة التضحية، وطليعة الصفوف؛ فكان مقامهم في عليين، فقلدوا نياشين النضال وأوسمة الشهادة..
في المقابل هناك صنف يتشكل بعناية، ويتهيأ ليكون نخبة حقيقية لمستقبل اليمن، صنف صقلته هذه الحرب، وأعدته ليملأ ذلك الفراغ..هذا الصنف متنوع الفكر والتفكير، عصي على الاستحواذ أو التدليس أو البيع والشراء، صنف تشبع بالوعي الوطني والسياسي والعسكري، وارتبط باليمن وحسب، وهذا من سيتولى بناء اليمن، وقيادته نحو المجد والعظمة..
أرادها الحوثي بداية لمشروعه، لكن إرادة الرجال جعلتها خاتمة لمشروع السيد، وأصبح اليوم لا أسوأ ولا أبغض من شيء إلى اليمنيين من هذا المشروع السلالي العنصري الدموي المتخلف، لقد حصنت الحرب عقول الأجيال إلى الأبد..
ستظل أوجاعها ومآلاتها ونتائجها شاهدة على أبشع مرحلة، وأشنع مسيرة مرت من هذا القطر، لا مجال للفهلوة والخداع وتزوير التاريخ، واختراق عقول السذج من اليمنيين، فكل شيء فعلته هذه الجائحة موثق صوتا وصورة، وحرفا ورسما..