إذا اجبرتك الظروف للذهاب للدوائر الحكومية، فاعلم أن مصيبتك كبيرة، ليس فقط بسبب البيروقراطية وضياع وقتك ومالك. بل أيضا لما ستراه وتلمسه من توحش الموظفين بعد حرمانهم من رواتبهم وعلاواتهم لأن دخلهم الوحيد أصبح بواسطة استغلال وظائفهم.
لم يعد هناك خطوط حمراء لفسادهم، فكل شيء مباح، وإن كان على حساب المرضى والمستضعفين.
تحدثني معلمة قضت 30 عاما في التعليم بدون غياب تقريبا، من شدة اخلاصها، أصيبت بورم خبيث ثم بإصابة برجلها فلم تعد قادرة على السير إلا بعكاز، عن ما عانيته وهي تحاول انتزاع النصف راتب شبه السنوي من براثنهم، وذلك لعدم قدرتها على الالتزام بالدوام. مع ذلك فشلت، وذلك بسبب طلبهم منها إعادة إجراء الفحوصات لضمها إلى كشف المرضى وهي لا تملك فلسا واحدا.. لتقتنع بعد ذلك بترك النصف الراتب لهم والإبقاء على درجتها الوظيفية. فهل رأيتم استغلال أسوأ من ذلك؟!
قصص كثيرة هنا وهناك، لا مكان لسردها في مقال. ولكن قد تفسر سبب صمت الموظفين عن حقوقهم المنهوبة، بتعويض ما سُرق منهم بكل الطرق، على حساب مواطنين مثلهم لا ذنب لهم إلا أنهم ذهبوا لقضاء مصالحهم، فتلقفتهم منظومة فساد كاملة لا تترك لهم خيارات غير التنازل عن حقوقها مقابل الاحتفاظ بدرجة وظيفية آملا بأن تتحسن الظروف يوما ما.
ونتيجة لغياب فعالية القوانين وغياب العدل والحقوق، يتحول الخوف على الوظيفة من الضياع فخ يسلب الموظف حقوقه، بيد موظف مثله أو بيد مؤسسات الدولة الرسمية الراعية الأكبر للفساد.