حينما يهزم منتخب المملكة العربية السعودية أمام أي فريق رياضي آخر تقوم الدنيا ولا تقعد ويتم إقالة المدرب ويوبخ اللاعبين ويذرف الشعب السعودي الدموع على هزيمة منتخبهم ، وهذا حق لهم ، لأنهم يرون أن ما أنفق على منتخبهم يجعله في مصافي المنتخبات العالمية ، لكن الأمر يبدو ملفتا للنظر هذا الصمت على هزيمة الدولة كلها بما تملكه من ترسانة أسلحة أنفق عليها المليارات ، إضافة إلى ما سمعوه ويسمعونه كل يوم في إعلامهم من الانتصارات على الحوثيين وسحقهم في الجبهات ، لكنهم على أرض الواقع يسمعون دوي انفجارات تخلفها صواريخ الحوثي وطيرانه المسير على بلادهم .
يقف المواطن السعودي مشدوها فاغرا فاه أمام صمود جبهة مأرب
بتلك الطريقة التي جعلتها تطرح اسئلة محرجة على المملكة ، فكيف تمكنت مأرب من كسر جحافل المهاجمين لها وسحق عشرات الآلاف منهم ، بينما أخفق تحالف دعم الشرعية بترسانته العسكرية الضخمة وبمليشياته المسلحة التي تمتد من الحديدة غربا إلى عدن والضالع جنوبا ، وتقهقر في بقية الجبهات ؟
لاشك أن المواطن السعودي يتمزق ألما على الهزائم المتتالية التي تتلقاها بلاده أمام جماعة ليس لها من مقومات البقاء سوى خطأ في إدارة المعركة ، لكن المواطن السعودي لا يدرك أن هذه الأخطاء مقصودة من قبل قيادات بلاده ، فالقضاء على الحوثي سيجرد بلاده حجة لطالما تذرعت بها ، وهي مواجهة الخطر الإيراني في اليمن .
لذلك تحرص المملكة على إيقاف كل الجبهات وترك الفرصة للحوثي يحشد كل قواته إلى جبهة مأرب ، لأنها في الأساس لم تأت لحماية شرعية اليمنيين كما زعمت من الخطر الإيراني ، بل لمقاربة الخيارات العسكرية والأمنية التي تخصها ، وهي تمارس شراء الوقت بوجبات محسوبة من القصف الجوي في جبهة مأرب للتغطية على مخططاتها في هذه الحرب .
سيقول المتقولون إننا نتجنى على المملكة ، فنقول لهم ، لماذا الحوثي حدد مكان المعركة مأرب وفرضها هناك ، في حين أن جميع الجبهات متوقفة كلية ، ولماذا بنيت مليشيات بعشرات الآلاف من المقاتلين ولم يدفع بها إلى جبهات القتال مع الحوثيين ، والأهم من هذا كله ، لماذا لا يشارك طيران الأباتشي في معركة مأرب ، ولماذا يقصف الطيران في مأرب ولا يستهدف معسكرات التدريب التابعة للحوثيين أو الإمدادات التي تصل إلى مأرب عبر الطرق المفتوحة والممتدة إلى هناك ؟
بكل بساطة ، إن تخفيف آلام اليمنيين لا يندرج في قائمة التحالف الذي تقوده السعودية ، وربما يكون هذا مبررا لو أن المملكة تقدم مصالحها السياسية على المصالح اليمنية ، لكنها في حقيقة الأمر تضحي بمصالحها ومصالح اليمن بسبب ، إما غباء السياسيين في هذا البلد أو أن النظام مخترق ويعمل لصالح الهاشمية التي تمثل ركيزة أساسية لتصدير الثورة الإيرانية والتي لن تقبل بأقل من رأس النظام السعودي .
ولكي نكون منصفين ، فإن مطالبة التحالف بتدخل حاسم لصالح شرعية اليمنيين ، أقل ما يمكن القول عن مطالبة كهذه ، إنها تنم عن عدمية سياسية ، وعن خلط بين ما هو كائن وما يفترض أن يكون ، خاصة وأن الحرب في اليمن هي لإعادة ترتيب المنطقة ، والذي أجل أو أخر هذا الترتيب ، هي مأرب التي استعصت على التطويع كونها متحررة من التحالف إلى حد كبير ، ومنطق السعودية والإمارات يقول : إما أن نتدخل بشروطنا ووفقا لمصالحنا أو فلتذهبوا إلى الجحيم ، وهم لا يدركون بأن جحيمهم أقرب من جحيمنا ، فهل يعوا ما يراد للمنطقة ويساوا بين مصالحهم ومصالح اليمن ، أم أنهم سيستمرون بالدفع بالمنطقة إلى حضن إيران ؟