التقيُّد بفكرة معينة يسرق حرية الفرد في تجريب أفكار أخرى، يسجنه داخل قوالب بالكاد يتنفس فيها.
الأخذ بمفهوم جاهز عن الحياة، دون إخضاعها للتجربة والملاحظة، وتمييز عيوبها ومميزاتها، يسرق منه أحكامه الذاتية عما هو صواب وما هو خطأ في الأمور النسبية.
لا يوجد إنسان بدون أخطاء؛ لكن أفضل الأخطاء التي تنبع من حرية القرار، لأنها خاضعة للمراجعة والتقييم، عكس الآراء المسبقة التي يفرضها فكر معين لأنها قد تولد في العقل الباطن التعصب للأفكار والرموز، فيأخذها كمسلمات غير قابلة للنقاش فتؤدي إلى سلب حق المرء في عيش واقعه المختلف عن معطيات واقع الآخرين الذي يستقي منه الأفكار الجاهزة.
الفكر الإنساني فكر أفقي، يأثر ويؤثر ولا يلغي أحدهم الآخر، لذا وضعه أساس للاختلاف فكرة عقيمة. فكل الأفكار وكل الديانات السماوية والوضعية والفلسفات المختلفة موجودة منذ الأزل وستظل.
لقد أفلحت الشعوب التي احترمت هذه الاختلافات، وركزت على جوهر الإنسان الحر، لإيمانها بأن الجبر والإلزام إنما هو بذور فتنة مستقبلية لا يخلق المواطن الصالح بل يخلق الخانع الذي ينتظر الوقت المناسب ليقلب الطاولة ويجبر الآخر على إتباعه.
يستمر التغيير الإستبدادي الذي لا يبنى الأوطان، والذي لا يبتسم فيه المواطن سوى في صورة جواز السفر، كونه يؤمن بأنه طريقه للفرار من ذلك السجن إلى عالم يحترمه ويقدره كإنسان بدون تنميط ولا قولبة تضعه في قائمة الإتهام مسبقاً.