طالت الحرب بسبب وحيد وجوهري يتعلق بالخصوصية اليمنية القبلية والتركيبة الاجتماعية المدهشة والمقلقة في آن
فقصر النظر لدى الطرف المقاوم حول الناس الى حوثيين غصباً عن أنفسهم، وعدم فهم التحالف للتداخلات والتناقضات والصراعات الصغيرة والعلاقات الاجتماعية اليمنية سبب ربكة أوجدت بيئة خصبة لإفشال المعركة فاليمن تحكمه سلطة الراعي الاجتماعي منذ الأزل،وهو عامل قوة لمن يفهم بقدر ما هو عامل هزيمة لمن يجهل خلطة البلاد السحرية
يدرك الكهنوت هذه التركيبة، يزج بالعامل النفسي، في خارطة الولاءات، ويستخدم كل سبل الكسب والتحييد مع القبائل، وفق متوالية وفهم عميقين للعنصر الاجتماعي المهم وخطة انتشاره منذ خروجه من صعدة وفق خارطة اجتماعية تتيح له تجفيف كل منبع للقوة الاجتماعية، وحيث تواجد العصبية ،ولم يوفر طريقة الا وطوعها بحربه ويستثمر كل أحقاد الجماعات الصغيرة، وشهية المشيخ، ويلهب شهوة الناس والقيادات لطموحاتهم المنتهية الصلاحية ويزج بهم بمعاركه ويفكك بهم خصومه القبليين والذين عجز وفشل في استمالتهم أو يشكلون له خطورة مستقبلية
بدراسة عميقة للمجتمع اليمني والقبلي بالذات،من قبل ظهور الجماعة واسقاط صنعاء، أدركت الحوثية أسرار اللعبة، أختارت العينات الشاغلة لحلبة الصراع الطبقي وتخللت بصمت بين فراغات الخلافات الأسرية وركبت ظهر القرابة بحمى المنافسة، التنافس،الذي كان بفترة السلام الاجتماعي، أو الثارات،وايضا الحقوق، والإرث، والمتتبع لخارطة الانتشار الفعلي للجماعة بعد إسقاط صنعاء يجد أنهم استهدفوا الخيط القبلي،وعززوا فيه التواجد وقد كان لهم السبق باستقطاب عينات من الذين ذكرت قبل قليل،كانوا هم سبيل اسقاط كل بلدة ،إسقاطا من الداخل، وطحن قوى الوجاهات بالحفاظ المستميت على المكانة الاجتماعية من قبل قوى المجتمع،ويستفيد الحوثي من إهراق هذه الجهود بدائرة القبل.
عودوا الى المقولة الشهيرة التي اطلقها المصريون على مشايخ اليمن في حربهم ضد الملكية " جمهوريون بالنهار وملكيون بالليل " وهذه تفسر وتوضح أسرار اللعبة وهي ليست خيانة وبيع ضمير بقدر ما هي واجب حفظ المكانة الاجتماعية لأنفسهم وقبائلهم،يتكرر هذا المشهد، لدى مشايخ الشمال المحتل،يمالون المليشيات التي سلبتهم مكانتهم وقلوبهم تستهوي الأحرار،يظهرون اعلاميا مع الكهنوت فلربما ينتصر ويتوقون طالما أقتربت معركة التحرير بجدية لاطلاق الرصاصة الأخيرة برأس الكهف،جمهوريون هم،لكن لا يمكن للقبيلي ذو المكانة أن يقامر بكل شيء بمعركة خاسرة،وهنا تنقلب المقولة وتتحول الى : ملكيون بالنهار جمهوريون بالليل " الظاهر حوثي والخافي ضد الحوثي
قبل أي معركة تحرير يجب دراسة وبعمق التركيبة الاجتماعية، متحوثو المنطقة،ماض وحاضر، ومشايخ البلدة ماذا كانوا وما هي خصوماتهم السابقة ونوعية العداوات التي توارثوها كابر عن كابر والتحالفات والخصوم والمنافسون، وسبب تحوث ذا وسبب رفض ذاك،وحياد هذا، ومدى تعمق هذا مع جماعة الكهنوت وما الى ذلك من العوامل الاجتماعية والقبلية، ودون فهم ووعي الخارطة سنفشل وسنعادي من هو معنا وسنحافظ على من هو ضدنا، نكسب العدو ونوفره،ونخسر الصديق
حولت فوضى المعركة بأول سنة حرب أغلب الذين لا يمكن أن يكونوا مع الحوثي الى صف الحوثي، لم يستطع الحوثي كسبهم،ونجحت العين الواحدة للمقاومة والتحالف في رميهم الى حضن الكهنوت، استهدافهم ببندقية المقاومة بعلم أو دون علم ، وطيران التحالف، أو خربطة قواعد اللعبة الاجتماعية عبر شخصيات معادية،تفرق ولا تجمع،استقبال معلومات اولية والبناء عليها،وهي خاطئة ..
النزاع الطبقي بين المشايخ والهاشميين وتتكاثر هذه باليمن الأعلى،حيث يتواجدون، لكن ثمة نزاعا طبقيا مجهولا من ضمن اساسيات اللعبة، في اليمن الأسفل، المشايخ والصوفيون، لم يحتدم الصراع بينهما منذ الأزل،كبار الصوفية يحضون باحترام وتبجيل من المشايخ، الطبقة الأعلى،كثرت المصاهرة بين تينك الطبقتين، ولكن هناك شعور خفيف طفيف لم يظهر جليا لدى الصوفية أن حقهم السيادة، الا بظهور الحوثي،وأستغل الحوثي هذه المشاعر بحيازة مكانة كانت خاصة فقط للمشايخ، ولم يسبق من قبل ان أطلق الصوفي على نفسه لقب الشيخ، لا يمكن القول الشيخ فلان بن فلان الصوفي، لقبان اجتماعيان، ومكانتان، والمرء يأتي من لقب ومن مكانة واحدة، ولكن بعد ظهور الحوثي ومحاولته ونجاحه باستبدال المكانة من المشايخ للصوفية أصبح الصوفي يتلقب بلقب الشيخ خلافاً للعرف والسائد الإجتماعي، ولكن هنا يجب التنبه لجزء مهم،لم يستطع الحوثي ان يكسب ويستغل كل الصوفية،علاقة الصوفية بالمشايخ كبيرة وخاصة المصاهرات،أثرت .
قادت القبيلة اليمنية حربا دفاعية ناعمة ضد محاولة تحويث الحاضنة القبلية،ومن العجز وبسبب عجز البعض اضطروا للتحوث حفظا لقبائلهم،وهكذا غرقوا في الفكر الحوثي دون علم، ارادوا الممالاة ولكنهم كانوا ضحايا قبل ان تتغير قواعد المعركة لصالح الجمهوريين
الشرح طويل، يحتاج الى وقت وجهد ،لكن تبقى الحقيقة الماثلة للمتمعن بالشأن اليمني ان قبل أي معركة تحرير لابد من دراسة وفهم خصوصية البلاد وتركيبتها ونوعية الصراع الاجتماعي، والعلاقات ، والعداوات قبل الصداقات،والاسباب والمسببات وفهم ووعي شجرة القبائل، والدماء التي بين الجماعات القبلية والتي تجمعها، والصراع السياسي والحزبي، والخلافات بين القرابات وهي اشد الخلافات تأثيرا على مجمل الشأن اليمني.
الحرب ليست بندقية فقط،الحرب دراية ووعي،وفهم،ومعرفة، وإلمام بقواعد لعبة الشطرنج المختلفة،بخصويتنا، فالمعركة ليست بين جيش وجيش ،نظاميان،بل بين جيش ومجتمع وضع الحوثي بندقيته بعنق الناس وجرهم الى المعركة،وهنا يجب فهم القواعد.
#عبدالسلام_القيسي