ما يحدث لجامع الصالح محاولة بائسة لتحطيم التاريخ، فالعظماء يخلدون أسماءهم بشواهد كثيرة وكبيرة، وكما جامع الأموي يُنسب للأموي وإن تهالك، وجامع الصخرة يُنسب للوليد، وجامع قرطبة يُنسب للداخل، هنا في صنعاء جامع الصالح يُنسب لصالح ولا يمكن لحركة تمرد حاقدة أن تمحوه، وأن تهدمه، وإن هدمته فهو قد بُني وشُيد في عقل وقلب كل يمني، وإسلامي..
ما زال جامع عمرو بن العاص في مصر يسمى بجامع عمرو بن العاص وسيبقى جامع الصالح في صنعاء باسم صالح وإن غيروه ألف مرة وإن هدموه لألف مرة..
إنها حركة التاريخ وسيرته وصيرورته ووعيه الجمعي، لا أحد ينجح في النيل من شاهد وقامة ومقام، كما فشل الإسبان في محو الأحمر، وبقي قصره شاهداً عليه أن دولة عربية عظيمة كانت هنا وسيبقى الصالح ليتحدث عن زعيم عربي مسلم واسمه علي عبدالله صالح شيد جامعاً ثالثاً في الجزيرة العربية، إلى الحرم والنبوي، وأضاف بلمسته وإيمانيته للتاريخ مسجداً يحكي سيرة ثلاثة عقود من الإيمان الذي ينتمي لروح الله ورسالته، لا لروح الكهف، الكهف الكهنوتي الذي يحاول هدمه الآن.
في العالم خارطة إيمانية للمساجد، الحرام والنبوي في السعودية ممتداً إلى الصالح إلى بروناي وإلى محمد علي في القاهرة وإلى الأموي في دمشق والصخرة في القدس، إلى السلطان أحمد في تركيا وإلى الجامع الكبير في الجزائر إلى جامع قرطبة الكبير، جامع الداخل، وإلى تاج المساجد في الهند وإلى مسجد سلطان في سنغافورة ومئات الجوامع الشهيرة والتاريخية والتي تقع أغلبها في بلدان لا تدين بالإسلام في الهند والبرازيل وفي إسبانيا ودول كثيرة، ولكنها الدول تلك تحترم عقيدة الناس، ومن باب التاريخ تحفظ وتحافظ على المباني وإن كانت مساجداً لغير ديانتهم كونها جزءاً من التاريخ والصيرورة والحقيقة الماثلة..
يعتبر مسجد الصالح في صنعاء من أكبر المساجد في العالم، وهو ثامن عشرة مساجد كبيرة عالمية، حسب تصنيف المواقع العالمية وموقع سائح، وبالترتيب المسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد الملك فيصل في باكستان ومسجد الاستقلال في إندونيسيا ومسجد الحسن الثاني في المغرب ومسجد بادشاهي في لاهور باكستان وسابعهم مسجد الصالح المشيد من نفقة الزعيم الشهيد صالح، بالعاصمة التاريخية لليمنيين، صنعاء، بلدة الإسلام وناصرته والهوية المثلى للدين.
أتى علي عبدالله صالح متأخراً عن التاريخ فولج التاريخ، مسجده أكبر من مساجد كل الأمبراطوريات الإسلامية، أكبر من مساجد الدول الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية، ومن كل أسماء السلاطين التي حازت كامل الأرض أو نصف الأرض، ومهما حاولت المليشيات الحوثية في طمس معلم شهير وكبير لصالح لا تستطيع، فالذي ولج التاريخ يصعب على التاريخ ذاته محوه.. ولا أحد بإمكانه أن يستثني أحداً، كما أن السفاح لم يستطع استثناء الوليد بن عبدالملك من اسم جامعي دمشق والقدس، وما زال جامع الوليد، وكما عجزت محاكم التفتيش عن استثناء عبدالرحمن الداخل بجامع قرطبة سيعجز الحوثي عن صالح.
عمارة المساجد مرآة للحضارة، قبس لكل عصر، وصورة تجسد كل قيمة حضارية في كل بلد، بفن البلد، وهدم المساجد هو نوع بربري للحركات السوداء عبر التاريخ تريد عبره هدم الصورة الذهنية للشعوب عن المراحل الوضاءة التي مرت وما زالت.. ولذلك، بكل بجاحة تقوم المليشيات الحوثية بهدم الصالح، بداية من سطحه، لهدم علي عبدالله صالح، تظن ذلك ولن تنجح، ستفشل.
مسجد الصالح ليس مكاناً للصلاة فقط، بل منارة للتاريخ والحضارة ومحنته اللحظة بهذه الجماعة لا تختلف عن محن مساجد كثيرة عبر التاريخ، وما حدث لمنارة مصر والعالم، جامع الأزهر، من إغلاق لأعوام كاملة أثناء الحملة الفرنسية على مصر وبأمر نابليون يؤكد أن المساجد لله والله يحمي بيوته، وسيكون الصالح هو منارة الدنيا والدين وإن شرع عبدالملك الحوثي بهدمه فهو يهدم نفسه ويعيد بناء الصالح بذاكرة وشعور وذهنية الناس، والمسلمين.
أحجار جامع الصالح هي من ذات عينة السد، في مأرب، وحجارة القصور الدائمة، حجارة بازليتة، وجيرية، ومن أعلى العينات الثمينة، ومعتقة سطوح الجامع بمعادن ثمينة، هذه المعادن الثمينة هي التي تقوم المليشيات الحوثية بسرقتها وتفكيك سطوحه، هذه الفترة، منها لبيعها في مزادات عالمية ومنها لدفن تاريخ صالح، وكما باعت المليشيات الحوثية آلاف القطع الأثرية من المتاحف تبيع القطع الثمينة التي بني منها جامع الصالح، فهي جماعة تجيد النهب فقط، وهذا كله يلغي فكرة تهالك الجامع حالياً وأن الفعل يقصد منه السرقات والنيل من تاريخ صالح، وسرقة مخزونه الجيري والبازلتي والذهبي والمعد بتقنيات عالمية..
أبواب الجامع ثمينة، هناك 15 باباً وبارتفاع 23 متراً من أجود أخشاب العالم. مزخرفة بالخط العربي ومطعمة بالنحاس المعالج بأحدث تقنيات PDV، أما أعمال السقوف الخشبية فيفوق عددها (30) ألف قطعة زخرفية معتقة بالذهب الخالص والألوان، ومثبتة بارتفاعات وصلت إلى (23) متراً، وهذا هو المراد من محاولة الحوثي هدمه.