اثنان من ديسمبر، عنوان الانتفاضة والشهادة والمعتقل والبطولة، فهذا الرقم الماجد والباكي في آن واحد يشرح عمق التضحية التي قدّمتها أسرة تكللت بمجد الانتفاضة ووقعت بين شهيد وهو صالح، وقربى وفاء عارف، وبين أسيرين هما محمد وعفاش، وبين قائد وهو طارق وحراسه.. من كل شيء اثنان..
يا لهذا المجد الذي نالته هذه العائلة، دققوا بالنضال النابت من جذر عفاش الأكبر، وهم يتوشحون المجد كله، بين شهيد افتتح بدمه البطولات، ومعتقل كان يجترح البطولات، وقائد يصنع هذه البطولات..
توقفوا للحظة؛ محمد محمد صالح في المعقتل، يسأل سائل من هو المحمد؟ شقيق طارق.. لا يكاد يصدق، لم يعلم بذلك، اليماني الأمي فاتته هذه المعرفة، ولما تؤكد له أن نجل طارق واسمه عفاش في السجن يتهمك بالكذب، لسببين؛
الأول: كان يعتقد أن عفاش هو نبزاً حقيقياً لصالح ومنقصة أطلقها الرعاع عليه، واسم عفاش لنجل طارق الذي يتجاوز عمره الربع قرن ينفي تلك الكذبة الكبيرة، والتي صارت من المسلمات، ولا أشد على الإنسان بسيط العلم والمعرفة من أن تهدم المسلمات لديه، وتنفي الكذبات الكبيرة التي تحولت بفعل التكثيف إلى حقائق، من رأسه..
الثاني: لا يكاد يصدقك، فكيف لقائد أن يتخلى عن شقيقه وولده ويدعهما في السجن، وهما بقبضة العدو الذي يقاتله، ودأب الناس أن يتخلوا عن كل شيء كرماً للأخ والولد والقريب، وثمة من باعوا كل شيء، لأجل مال أو بيت، وهذا الرجل الطارق الذي يقود أكبر قوة جمهورية ضد الحوثي كيف لا يرضخ للحوثي وهما في المذبحة؟
هنا تتجلى الشجاعة، الشجعان طينتهم مختلفة، وفي خضم هذه الصورة المجسدة للفداء، علينا أن ندرك حقيقة طارق، هو أول من ضحى، فلا نقلل منه، وهو أول من دفع الدم والولد قرباناً لهذا الوطن، ورغم ذلك، هو أشد من يرتب الناس لأجل المعركة الوطنية، وعلينا ألا ننسى محمد وعفاش، فهما في السجن، ككل الذين تعتقلهم المليشيات، يقبعان في ظلمة الكهف الحالكة، ويظن الحوثي أن باستطاعته ثني الطارق، أو ثنيهما، ولا يدرك أن من باع للوطن كل شيء لا يفرط لأجل أخ أو ولد بشيء، وأن عفاش ومحمد هما أحرار في السجن، فالحرية ليست أن تكون طليقاً، الحرية أن تقف خلف خياراتك ولو أنك في ثقب إبرة، وقد وقفا، فيما تخلى ناس وأُناس عن مبادئهم، ويعيشون سجنهم المسوّر بالخوف والمذلة خارج القضبان، وقد قالت العرب قديماً: لا عمل لمن لا نية له.. ونية الفداء، نية التضحية، نية وهب البلد كل شيء ظهرت بأكمل وجه، وإذا كانت النية؛ فلا يحجبها حاجب، لا غالٍ ولا ثمين، وإن كان بعضك.